لم يكن وصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس عبد الفتاح السيسى بأنه «شخص رائع للغاية»، مجرد مجاملة دبلوماسية عابرة، بل كان بمثابة اعتراف واضح بمركزية وثقل الدور المصرى فى أخطر ملفات المنطقة، وعلى رأسه إنهاء الحرب فى قطاع غزة، كما أكد هذا الوصف عمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولاياتالمتحدة، وتفهم واحترام كل طرف لثوابت ومصالح الطرف الآخر. لم يوجه ترامب هذا الثناء فى مؤتمر منفصل أو بيان مكتوب، بل اختار أن يفعله على الملأ، وفى وجود نتنياهو، مما يحمل رسائل متعددة، فهو من ناحية يؤكد مكانة مصر كطرف مركزى فى العملية السلمية، ومن ناحية أخرى يوجه رسالة غير مباشرة لإسرائيل والحلفاء فى المنطقة بأن الولاياتالمتحدة تثق فى مصر وتعتبرها شريكاً فى إدارة ملف غزة والأمن الإقليمي. من جانبه، عبَّر الرئيس السيسى بوضوح فى أكثر من مناسبة عن تقديره ودعمه لجهود الرئيس ترامب لإحلال السلام فى العالم ووقف الحروب المشتعلة، وهو أمر يتشارك فيه الزعيمان على المستويين الإقليمى والدولى؛ حيث توجد رغبة مشتركة فى إسكات البنادق والالتفات أكثر إلى التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية للشعوب فى عالم أثقلت كاهله الحروب والصراعات الممتدة. تحاول الولاياتالمتحدة استثمار الدعم الدولى من جانب، والعربى-الإسلامى من جانب آخر، لكى تُحدث الخطة اختراقًا فى الصراع الدموى الذى امتد لأكثر من 3 سنوات. وقد ضمت الخطة عددًا من العناصر المتفق عليها بين كل الأطراف، وهي: 1- وقف الحرب فى قطاع غزة. 2- إطلاق سراح الرهائن ونفاذ المساعدات. 3- عدم ضم القطاع لإسرائيل وعدم التهجير القسرى. 4- انسحاب القوات الإسرائيلية وفق جدول زمنى. وتضمنت الخطة كذلك بنودًا أخرى لا تزال محل نقاش وجدل، إلا أن كل القوى الدولية رحبت بها، وعلى رأسها روسيا والصين. رحبت مصر بالخطة، وأعربت عن أملها فى سرعة وقف الحرب على قطاع غزة وخفض التصعيد لاستعادة الهدوء والاستقرار والأمن بالمنطقة، وشددت على ضرورة نفاذ المساعدات الإنسانية بكميات تتناسب مع الكارثة الإنسانية. كما أكدت مصر تمسكها بثوابتها فى القضية، وعلى رأسها: عدم تصفية القضية الفلسطينية، والتمسك بحل الدولتين، والتأكيد على انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ورفض ضم إسرائيل للضفة الغربية، واستمرار الارتباط العضوى بين الضفة والقطاع، ورفض أى تهجير للشعب الفلسطينى من أرضه، والعمل على خلق أفق سياسى يستند إلى حل الدولتين، ويلبى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه فى تقرير المصير وإقامة دولته، وبما يحقق الأمن والسلام والاستقرار للشعبين الفلسطينى والإسرائيلى. المختلف فى خطة ترامب هو إصرار الرئيس ترامب على الوقف الفورى لأعمال القتال فى القطاع ووضع تصورات لليوم التالى، سواء فى شكل إدارة الحياة اليومية أو دفع جهود إعادة الإعمار، إلا أن الجانب الآخر من الصورة يحمل تخوفات عميقة من عدم صدق نوايا إسرائيل وحماس فى الالتزام بما جاء فيها. ولعل العنف المفرط الذى واجهت به إسرائيل «أسطول الصمود»، ومصادرتها لعدد كبير من سفنه، يقدم مؤشرًا بالغ الخطورة على استمرارية النهج الإسرائيلى فى تحدى الإرادة الدولية ، لقد تحركت قوات الاحتلال ضد الأسطول الذى ضم نشطاء وشخصيات سياسية من شتى أنحاء العالم، متجاهلة كونه انطلق مبدئيًا بحماية القوات البحرية الإيطالية والإسبانية، وحظى بترحيب عالمى واسع بهدف كسر حصار التجويع المفروض على قطاع غزة. إسرائيل لم تكترث بكل هذه الاعتبارات، وتحركت لمنع وصول المساعدات البحرية لسكان القطاع. وفى الوقت ذاته، يستمر العنف الإسرائيلى على الأرض ضد المدنيين، وتعمل قوات الاحتلال على ترسيخ وجودها فى مواقع القطاع الذى تم تقسيمه فعليًا، وهو الإجراء الذى يدفع سكانه قسرًا نحو الجنوب باستمرار، سعيًا لتصدير الأزمة بالكامل إلى الجانب المصرى وتحقيق الهدف الاستراتيجى الإسرائيلى المتمثل فى التهجير القسرى لسكان القطاع. حتى هذه اللحظة، تتصاعد وتيرة الحرب بلا هوادة، وبينما يبدو القطاع مقسمًا على أرض الواقع، فيما أعلن طرفا النزاع عن تحفظاتهما الصريحة ورفضهما لبنود جوهرية فى الاتفاق فى وجود تخوف جماعى حول بنود الخطة فالشيطان يكمن فى التفاصيل، وهذه المخاوف تكتسب ثقلها نظرًا لأننا نتحدث عن أطراف تتصارع منذ عقود وتنعدم الثقة بينها أساسًا، وهى عوامل تلقى بظلالها الكثيفة على مصير الخطة وإمكانية نجاحها. ومع ذلك، يظل الأمل معقودًا على جهود الرئيس ترامب، التى يغذيها مزيج فريد من المصالح والنفوذ، فالرجل، بصفته الداعم الأكبر لإسرائيل، يمتلك أوراق ضغط متعددة وحاسمة تمكنه من دفع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة نحو القبول بوقف إطلاق النار. ويعزز هذا الدور بشكل لافت طموحه الشخصى المعلن لنيل جائزة نوبل للسلام، وهو يعلم جيدا ان نجاحه فى إنهاء حرب غزة يمثل البوابة الأقرب والأكثر إقناعًا لتحقيق هذا التكريم العالمى. ذلك الدافع الشخصى الطموح لا يُعد مجرد رغبة عابرة، بل هو عامل بالغ الأهمية وضاغط يرفع بشكل كبير من احتمالية نجاح خطة ترامب ويجعل مسألة إنهاء الصراع مصلحة عليا على أجندته الشخصية. القراءة الجيدة لذلك الواقع المعقد يقول إن خطة ترامب قدمت أملًا جديدًا للشعب الفلسطينى المحاصر فى غزة، ذلك الشعب الصامد الذى تمسك بأرضه رغم كل المجازر الاسرائيلية وتجويع وحصار حكومة نتنياهو، وآن له أن يهدأ ويعود له الامل فى الحياة، فجوهر الصراع هو قتل الامل لدى الفلسطينى فى الحياة. ومصر تقاوم ذلك، فهى الداعم الاكبر للقضية الفلسطينية وهى اكبر دولة قدمت مساعدات للشعب المحاصر فى غزة وحصن الامان لآلاف الفلسطينيين المتواجدين فى المخيمات التى أقامتها مصر داخل القطاع لإيواء النازحين وتقديم الخدمات المعيشية لهم من غذاء وعلاج وهو الأمر الذى لم يتوقف لحظة منذ بدء الأزمة. ودبلوماسيًا كان الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية محورًا رئيسيًا «لدبلوماسية القمة» التى قام بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال زياراته الخارجية وبلغت 181 زيارة إلى 62 دولة منذ عام 2014 والموثقة فى «الكتاب الأبيض» لوزارة الخارجية، والتى رصدت نجاحها كأداة رئيسية للسياسة الخارجية المصرية، وأنها اسست لفكرة الاتزان الاستراتيجى وانفتاح مصر فى علاقاتها على كل دول العالم، وأعادت لمصر دورها كقوة رائدة وثابتة، وحوَّلتها إلى صوت فاعل ومؤثر فى دوائر التعاون الدولى وصنع القرار العالمى. وتقوم فكرة التوازن الاستراتيجى على رؤية الرئيس السيسى لتحقيق التوازن بين حماية المصالح الوطنية والانفتاح على شركاء متعددين، مع رفض منطق الاستقطاب أو التحالفات الصفرية، والالتزام باحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، ودعم مؤسسات الدولة الوطنية، وحل النزاعات عبر الدبلوماسية والحوار، والتمسك بالقانون الدولى وميثاق الأممالمتحدة كمرجعية حاكمة. وكان هذا الحضور الدولى القوى لمصر من خلال الشراكات الاستراتيجية المتعددة عاملاً حاسماً فى تحييد مصر عن دوائر الاستقطاب العالمي، وإعادة الزخم لمبدأ حل الدولتين وحق الشعب الفلسطينى فى الاستقلال وإقامة دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. يتشارك الرئيس السيسى مع الرئيس ترامب الرؤية الواقعية للصراع، ويتفقان على ضرورة إنهائه وترسيخ السلام، وتتسم العلاقة بينهما بالاحترام المتبادل وقبول الاختلافات فى وجهات النظر، مع انفتاح مستمر على التعاون فى ملفات متعددة. تُمثل مصر حليفًا قويًا للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط وشريكًا مؤسسًا ورئيسيًا فى عملية السلام؛ لذلك تؤكد مصر دعمها لخطوات الرئيس ترامب وجهوده لإنهاء حرب غزة فورًا، على أن يتبع ذلك البحث عن حل عادل ومستدام يحفظ السلام ويعيد المنطقة إلى مسار التنمية والاستقرار. نصر أكتوبر 1973 ..معجزة المصريين إذا سألت أى محلل سياسى فى أى مكان حول العالم يوم 5 أكتوبر 1973 سؤال ..هل ستحارب مصر؟ أظن أن التردد فى الاجابة أو حسمها بكلمة «لا « كان هو الأقرب، كانت قدرة مصر محل شك، وكانت إسرائيل تحظى بدعم غير محدود لتقوية قدراتها العسكرية، وكانت نكسة 1967 ماثلة فى الأذهان، وصنعت من الجيش الإسرائيلى اسطورة «جيش لا يقهر « . إلا أن الاجابة السليمة كانت لدى القوات المسلحة المصرية، جيش الشعب المصرى، ولدى الزعيم الراحل بطل الحرب والسلام أنور السادات وهى نعم تستطيع مصر هزيمة الجيش الذى لا يقهر وأن الرهان على قدرة الجندى المصرى على تحقيق المعجزات فى محله وهو ما تحقق بالفعل.. أسراب وجحافل المصريين تعبر القناة وتدك حصون خط بارليف -أصعب مانع عسكرى فى العالم آنذاك- وترفع العلم المصرى على تراب سيناء وتشتعل معركة تحرير استمرت طوال شهر أكتوبر حتى تمكنت مصر من تحقيق الهدف العسكرى لتبدأ التفاوض وتحقيق التحرير الكامل لسيناء بالتفاوض والانخراط فى عملية السلام .. نفس الشعب ونفس الجيش عاد بعد أكثر من 50 عامًا من الانتصار ليحرر سيناء من الإرهاب تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى ويحقق انتصاراً آخر فى معركة مختلفة مع طيور الظلام، ويصبح الجيش المصرى من الجيوش النادرة التى حققت انتصارًا على التنظيمات الإرهابية المسلحة فى وقت صعب ودقيق مرت به مصر. من المعجزة العسكرية إلى معجزة تنمية مستمرة ودفاع متقدم عن سيناء ضد هدف إسرائيلى جديد يسعى إلى تهجير سكان القطاع قسريًا باتجاه سيناء، وتصفية القضية الفلسطينية وهو ما ترفضه مصر وتستعد لمواجهته بحماية سيناء من الخطر باتخاذ كل التدابير اللازمة والاستعداد لكل السيناريوهات لحماية أمن ومقدرات الشعب المصرى والدفاع عن سيناء ضد أى تهديد . تحية لقواتنا المسلحة بالانتصار المتجدد فى أكتوبر ..وتحية للشعب صانع المجد فى كل ميادين القتال أمس واليوم وغدا .