لندن - أصدرت منشورات رامينا فى لندن كتاب «كنتُ صغيرة... عندما كبرت» للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصى ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب. تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهى تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق والانشطار بين ثقافات متباعدة. ينفتح الكتاب على طفولة عاشت فى بيئة مزدوجة الثقافة، تتأرجح بين انتماءاتها السورية والأوكرانية، وتختبر معنى التمييز والاختلاف فى تفاصيل يومية صغيرة، ثم يرافق القارئ فى انتقالاته إلى فضاءات جديدة: دراسات فى كييف، أزمات صحية ونفسية، علاقات إنسانية، وحروب تركت أثرها العميق فى الذاكرة. ويتوزع النص على فصول تشبه اللوحات، تعالج قضايا الجمال واللون، الصداقة والخذلان، الانكسارات العائلية، ومشاهد من حلب وكييف والقاهرة وأبوظبى، ليبدو كأنه خريطة حياة تتقاطع فيها السيرة الفردية مع التحولات الاجتماعية والسياسية. تعلن كاترين يحيى منذ المقدمة أنها لم تكن تنوى كتابة سيرتها، لكنها وجدت نفسها مدفوعة لتدوين تفاصيلها بعد زيارتها لمتحف حربى فى كييف ورؤيتها مذكّرات طفلة صغيرة كتبت كلمات قليلة أثناء الحصار، لتكتشف أن التجارب «عادية» قادرة على أن تكتسب قيمتها بمجرد أن تُصاغ على الورق وتُنقذ من النسيان. بهذا المعنى، يشكّل الكتاب محاولة لإعادة بناء الذات عبر الحكاية، ولحماية الذاكرة من التآكل. يجمع الكتاب بين بساطة اللغة وعمق التجربة، وبين شخصيّة تبدو عادية فى الظاهر وتجربة تتقاطع مع أسئلة كبرى عن الهوية والانتماء والمنفى، ويقدّم فى بنيته السردية مزيجاً من الذكريات الشخصية والانعكاسات الفكرية، حيث تتقاطع مشاهد الطفولة مع تساؤلات لاحقة حول معنى العائلة، والهوية، والانتماء، وتغدو لوحات متفرقة تُبنى على إيقاع الذاكرة، لتكوّن فى النهاية صورة مركّبة لحياةٍ عابرة للجغرافيا.