بعد سنوات من الانتظار والتأجيلات التي امتدت لأكثر من عقد، يقف المتحف المصري الكبير أخيرًا على أعتاب لحظة فارقة في تاريخ الثقافة والآثار. المشروع الذي وُصف بأنه «أكبر متحف أثري في العالم» لم يكن مجرد بناء حجري على هضبة الجيزة، بل مغامرة معمارية وثقافية جمعت بين الإرث الفرعوني والخيال المعاصر، ليصبح شاهدًا على كيفية إعادة تقديم الماضي في ثوب يليق بروعة الحاضر. إذا كانت روائع الملك الذهبي توت عنخ آمون هي جوهرة التاج في هذا الصرح، فإن الطريقة التي ستُعرض بها تلك الكنوز لا تقل إبهارًا عن محتواها. هنا يظهر اسم مكتب التصميم الألماني «أتولييه بروكنر»، الذي قاد مهمة صعبة أشبه بمعجزة: كيف يمكن تقديم 5٫000 قطعة أثرية من أشهر مقبرة في التاريخ بأسلوب يمزج بين العلم والجمال، بين الدراما والسرد، ليشعر الزائر أنه يعايش القصة لا يقرؤها فقط.. في هذا الحوار الخاص مع مجلة «Monocle»، تكشف شيرين فرنجول-بروكنر، الرئيس التنفيذي ل«أتولييه بروكنر»، كواليس التجربة. ◄ من أين يبدأ الزائر مع هذا العدد الكبير من القطع الأثرية؟ الشيء الجيد مع توت عنخ آمون أن القصة تكاد تروي نفسها. كنا نتعامل مع 5600 قطعة، وهذا يبدو كثيرًا، لكنه بالمقارنة مع مشاريع أخرى عملنا عليها يُعد متواضعًا نسبيًا. في أحيان أخرى نكون أمام 50 ألف قطعة وأكثر مع خيط موضوعي غامض. لكن هنا، كان السرد واضحًا: أن نضيء عالم توت عنخ آمون عبر ما دُفن معه. لأول مرة، تُعرض هذه الكنوز مجتمعة في مساحة عرض تبلغ 7500 متر مربع. كل قطعة تُعد تحفة بذاتها. ◄ وكيف جلبتم هذه القصة إلى الحياة؟ المعرض يمتد عبر قاعتين طويلتين ضخمتين، يصل طول الواحدة إلى 180 مترًا وارتفاعها 16 مترًا. بُنيت التجربة على ثلاثة محاور أساسية: الحياة، والموت، والعالم الآخر. وللاستيعاب المتوقع ل15 ألف زائر يوميًا، أنشأنا مسارين متوازيين، مسار زمني يُعرّفك بالملك الشاب، ثم طقوس التحنيط، وصولًا إلى القناع الذهبي، مرورًا بالأضرحة والتوابيت، ثم عالم ما بعد الموت، وأخيرًا لحظة اكتشاف المقبرة، ومسار استقصائي يبدأ مع حفريات هوارد كارتر ويتتبع الحكاية بالعكس، بحثًا عن إجابة سؤال: من كان توت عنخ آمون حقًا؟ ◄ اقرأ أيضًا | فرانسيس آرتشر: المتحف المصري الكبير صُمم بعمر افتراضي يمتد لأكثر من 100 عام ◄ كيف تساعدون الزوار على فهم المعروضات؟ كثير من المتاحف الكبرى تميل إلى التعامل مع الآثار القديمة ك«غنائم جمالية»، لكن هدفنا كان أن نكشف الثقافة وراء الجمال، لذلك بنينا إعادة كاملة للمقبرة بالحجم الحقيقي، ليدرك الزائر أن هذه الكنوز جاءت من غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحة شقة استوديو، كما صممنا فاترينة طبقية تكشف تسلسل الأضرحة والتوابيت المتداخلة، بما يتيح التفاعل مع النقوش الهيروغليفية ليس كزخرفة سطحية بل كنصوص لها معنىه. ◄ ما هو أكبر تحدٍ واجهتموه؟ الوقت. في أوروبا، مشروع بهذا الحجم قد يمتد أكثر من ثماني سنوات، هنا كان أمامنا ستة أشهر فقط - ليس للمفهوم فحسب، بل للتخطيط الفني والطرح والترسية كاملة. لكن المواعيد الضاغطة تجلب نوعًا من الوضوح، فلا وقت للتردد. ◄ كم شخصًا شارك في التنفيذ؟ حوالي 25 فردًا من فريقنا الأساسي، بالإضافة إلى متعاونين خارجيين.