تشتهر دمياط التى كانت مصبًا لنهر النيل منذ فجر التاريخ بأمور عديدة تعكس «شطارة ولادها» ونجاحهم فى كل مجال فهى بلد الجبنة الدمياطى، المشبك، صناعة السفن، صيد الأسماك، لكن يبقى الأثاث الدمياطى «علامة تجارية» فريدة وتاريخية تسجل باسم هذه المحافظة العريقة ليس فى مصر فقط ولكن العالم أجمع. النجار هو اللبنة الأولى فى صناعة الأثاث بدءاً من الاختيار الصحيح للأخشاب وجودتها حتى تصميم الغرفة ليستكمل من بعده باقى الحرفيين أعمالهم تباعًا، الاويمجى والقشرجى والاستورجى والمنجد لتصبح الأخشاب غرفة، ومن البداية إلى النهاية رحلة طويلة من العمل والذكريات يرويها لنا فى هذا التقرير الأسطى «محمود علوش» 67 سنة - أحد أقدم نجارى دمياط وشيخ من شيوخ هذه المهنة المصرية العريقة. اقرأ أيضًا | «أرغفة الموت».. رضيعة في المحكمة و6 أطفال في القبور الأسطى «علوش» يعمل فى مهنة النجارة منذ أكثر من 60 عامًا.. ويقول فى لقاء خاص مع صحيفة الأخبار «بدأت العمل فى ورشة نجارة وكان عمرى 5 سنوات فقط، بدأت أتعلم أصول المهنة تدريجيًا وبعد فترة أعطانى صاحب الورشة فرصة لأكون من بين فريق العمل، ولكن بتدرج حيث بدأت فى المشاركة فى صناعة كرسى ثم سرير ثم صالون، ثم الدولاب، والدولاب فى عرف المهنة بمثابة «شهادة اعتماد» بأنك أصبحت من الصناع المهرة». ويتذكر أن عمره فى ذلك الوقت كان 13 عامًا تقريبًا.. ومع أول رشفة من «كوب الشاى» الذى يرتشفه «الأسطى علوش» بمزاج وهو يسترجع شريط الذكريات قال « تخيل.. أول أجر تقاضيته وأنا صبى ورشة كان 3 تعريفة فى الأسبوع وعندما أصبحت نجارًا بعدها بسنوات تقاضيت 75 قرشًا فى الأسبوع، وعندما سعيت لزيادة الأجر تركت العمل كنجار، وعملت استورجى ومنجد وكنت أتقاضى فى الأسبوع 3 جنيهات!!، ولكننى فضلت العودة للنجارة لأنى بحبها فعلًا وبعملها بمزاج، حتى لو بأجر أقل، لكن الرزق ده «بتاع ربنا» وحده، وفعلًا ظل الأجر يتزايد حتى وصل 6 جنيهات فى الأسبوع يعنى جنيهًا يوميا غير اليوم الإجازة، ثم قررت أن استقل بعملى وأنا فى عمر ال17 وفتحت أول ورشة فى حياتى منذ ما يقرب من 50 عامًا». وتابع الأسطى علوش قائلا «النجار هو الأساس الذى يبنى عليه بقية الصناعة، والنجارة أنواع منها نجار باب وشباك ونجار صالونات وانتريهات ونجار غرف نوم وسفرة وهناك من يقوم بالعمل فى صناعة الأثاث كاملة». ومع آخر رشفة من كوب الشاى.. شرد «الأسطى علوش» بذهنه وتذكر أيام الزمن الجميل قائلًا «المهنة زمان كانت مهنة «العتاولة» ودمياط سجلت أسماء عمالقة فى حرفة النجارة مثل شبانة وبهنس والنجدى والنجيرى وأبوسمرة الذين خرجوا أجيالًا من النجارين، وكان النجار يرتبط دائمًا باستورجى مثله فى السمعة وجودة الصناعة وكذلك اويمجى ومنجد، سلسلة متواصلة من أسماء كبار وان هناك اويمجية واستورجية ومنجدين يرفضون العمل خلف أى نجار إلا النجار الذى يكون على وزن مهنيتهم وكان زمان الأسطى أو صاحب الورشة يديرها بقوة وفن فى آن واحد ولذلك من يتعلم عند فلان من الأسماء الكبيرة يصعد سريعًا ويشق طريقه بقوة لأنه اتعلم صح».