في ليلة صيفية هادئة، وبينما كان ملايين المشاهدين حول العالم يستعدون ليفتحون شاشاتهم لمتابعة مبارياتهم المفضلة من الدوريات الكبرى، عبر منصتهم المعتادة «ستريم إيست»، فجأة وفي لحظة لم يتوقعها الملايين من عشاق الرياضة حول العالم، اختفى الرابط الذي كانوا يتابعون عبره مباريات الدوري الإنجليزي ودوري الأبطال والبطولات الآمريكية الكبرى، لم يكن الأمر عطلًا تقنيًا ولا تحديثًًا روتينيًا عابرًا، بل كانت نتيجة واحدة من أكبر الضربات الأمنية المحكمة في مجال مكافحة القرصنة الرقمية، التي انطلقت من قلب البدرشين بمحافظة الجيزة، لتكتب نهاية امبراطورية رقمية؛ فهذه المداهمة لم تكن مجرد عملية محلية، بل جزءا من تحقيق دولي قادته جهات إنفاذ القانون بالتعاون مع تحالف الإبداع والترفيه ACE، لتسدل الستار على واحدة من أكثر قضايا القرصنة تعقيدًا وتأثيرًا في العقد الأخير، تفاصيل أكثر إثارة سوف نسردها لكم داخل السطور التالية. منصة «ستريم إيست» ولدت كموقع غير رسمي لبث المباريات الرياضية، لكنها سرعان ما تحولت إلى امبراطورية رقمية لتصبح الأشهر عالميًا في مجال الرياضية، كما وفرت المنصة للمستخدمين مشاهدة أهم البطولات الكبرى مثل الدوري الانجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا، إضافة إلى بطولات أمريكية مثل دوري كرة القدم الأمريكية (NFL) ودوري كرة السلة للمحترفين (NBA) ودوري البيسبول (MLB)، غيرهم من الدوريات والمباريات دون أي اشتراكات رسمية، رغم كل ذلك إلا أنها كانت تجني ملايين الدولارات من الإعلانات غير المشروعة وبيع بيانات المستخدمين، فلم يكن «ستريم إيست» مجرد موقع عشوائي، بل كانت شبكة متكاملة، وبحسب بيانات «تحالف الإبداع والترفيه»، وهي منصات رسمية تجاوز عدد الزيارات السنوية للموقع 1.6 مليار زيارة، ما جعله ينافس منصات رسمية كبرى من حيث حجم الجمهور، لكنه فعل ذلك دون أن يدفع دولارًا واحدًا مقابل الحقوق أو التراخيص، مما جعله أحد أكثر المواقع نشاطًا في العالم، هذه الأرقام تعكس حجم السوق الموازي للترفيه الرقمي؛ حيث يفضل ملايين المستخدمين الالتفاف على القوانين للوصول إلى المحتوى الرياضي دون دفع الاشتراكات المرتفعة التي تفرضها القنوات الرسمية، كما لم تقتصر الشبكة على بث واحد أو اتنين، بل وفرت أكثر من 80 نطاقًا مختلفًا وسيرفرات موزعة في عدة دول للالتفاف على الحجب. الغريب في الامر انه في عام 2024، تم مشاهده نجم فريق لوس أنجلوس ليكرز، ليبرون جيمس، عبر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يشاهد مباراة في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين بين فريقي «مينيسوتا تمبروولفز» و»دالاس مافريكس» على Streameast أثناء وجوده على أرض الملعب في مباراة للاتحاد الرياضي للهواة، وفي ذلك الوقت، خشي معجبو الموقع على وسائل التواصل الاجتماعي من أن يؤدي هذا الاهتمام إلى إغلاقه. اقرأ أيضا: ضبط شبكة تبث 8 قنوات فضائية مشفرة دون ترخيص بالشرقية تحريات وضبط إلا أنه بعد تحقيق امتد من يوليو 2024 إلى يونيو 2025، التحقيقات كشفت أن «ستريم إيست» لم يكن مجرد موقع مجاني، بل شبكة تجني أرباحًا ضخمة من الإعلانات غير القانونية التي تظهر للمستخدمين، وبيع بيانات المستخدمين لشركات تسويق، وشبكة شركات وهمية استخدمت في غسل أرباح تجاوزت 6 ملايين دولار خلال 15 عامًا، من بينها كيان مسجل في إحدى الدولة العربية. في الوقت ذاته تمكنت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية من ضبط شخصين لقيامهما بإنشاء وإدارة محطة بث تليفزيوني لاسلكية بدون ترخيص بمحافظة الجيزة، وذلك في إطار جهود وزارة الداخلية لمكافحة جرائم التعدي على حقوق الملكية الفكرية، وجاءت الواقعة بعد ورود معلومات وتحريات من الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية؛ أفادت بإنشاء المتهمين محطة بث تعمل داخل نطاق مركزي شرطة العياط والبدرشين، حيث كانا يستقبلان عددًا من القنوات الفضائية، سواء المشفرة أو غير المشفرة، ويعيدان بثها بشفرة خاصة بهما دون الحصول على أي تصريح رسمي من الجهات المختصة، بالمخالفة لأحكام القانون، وبالتنسيق مع الجهات المعنية، تم استهداف مقر الشبكة وضبط المتهمين، وعثر بحوزتهما على عدد من الأجهزة والمعدات المستخدمة في البث، من بينها ثلاث وحدات معالجة مركزية وأربع محطات لتقوية إشارة البث اللاسلكي. وبمواجهتهما، أقرا بممارستهما لهذا النشاط غير المشروع، وقد اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة حيالهما. ورغم أن النطاق الأصلي للموقع لم يعد نشطًاً، إلا أنه ظهرت مواقع مقلدة تحاول استغلال الفراغ الذي تركه «ستريم إيست»، كما أن التحالف أكد أنه على دراية بوجود هذه المنصات الجديدة، وأنه بدأ في تتبعها للتحقق من ارتباطها بالشبكة الأصلية، فإغلاق «ستريم إيست» بلا شك يمثل انتصارًا مرحليًا مهمًا، لكنه لا ينهي الحرب الطويلة بين صناعة الترفيه ومواقع القرصنة، فكلما سقط موقع، يظهر آخر بواجهة جديدة، مستفيدًا من ثغرات تقنية أو قانونية. إشادة في الوقت نفسه قال إد مكارثي، الرئيس التنفيذي للعمليات في مجموعة DAZN، وهي جزء من تعاون ACE: «يعد تفكيك الأجهزة الأمنية المصرية لمنصةStreameast انتصارًا كبيرًا لكل من يستثمر في منظومة البث الرياضي المباشر ويعتمد عليها، كانت هذه العملية الإجرامية تستنزف قيمة الرياضة على جميع المستويات، وتُعرّض المشجعين حول العالم للخطر»، كما قالت لاريسا ناب، نائبة الرئيس التنفيذي ومسئولة حماية المحتوى في MPA، وهي مساهم رئيسي في مبادرة ACE: «لقد أدى هذا الإجراء بسرعة إلى تفكيك ما كان يُعرف سابقًا بأكبر عملية بث رياضي غير قانونية في العالم، وأُشيد بالسلطات المصرية على شراكتها»، وهذا دليل إضافي على أنه لا توجد شبكة قرصنة بمنأى عن إنفاذ القانون العالمي المنسق». بالتواصل مع إسلام محمد السيد المحامي، بدأ حديثه قائلاً:وفقًا للقانون المصري، فإن ما قامت به الشبكة يندرج تحت عدة مواد من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 وقانون العقوبات فالمادة 181 من قانون الملكية الفكرية، والتي تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين وبغرامة من 5,000 إلى 10,000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعدى على حق من الحقوق الأدبية أو المالية لأصحاب حقوق البث، والمادة 140 وما بعدها من نفس القانون تشدد العقوبة إذا كان الاعتداء بغرض الربح أو في نطاق تجاري، لتصل إلى الحبس مدة قد تصل إلى سنتين، وغرامات قد تتجاوز 50,000 جنيه، أما في قانون العقوبات المادة 113 مكررفي حال اقترنت هذه الأفعال بغسل الأموال أو التربح غير المشروع، يمكن أن تواجه الشبكة تهمًا إضافية تصل عقوبتها إلى السجن المشدد ومصادرة الأموال والأجهزة، فالقرصنة الرياضية جريمة مركبة، لأنها لا تقتصر على انتهاك حقوق الملكية الفكرية فقط، بل تتضمن أيضًا إعادة توزيع المحتوى بدون ترخيص، وهو ما يعد سرقة صريحة لحق البث الحصري، وبالتالي يدخل تحت طائلة العقوبات المشددة. ولكي نقترب أكثر من عالم هذه المنصات توجهنا بالسؤال إلى المهندس محمد ماجد، خبير تكنولوجيا المعلومات، ليوضح لنا قائلا: إن القرصنة ببساطة هي استخدام حقوق ليست مملوكة بشكل مشروع، ثم إعادة بث أو توزيع هذا المحتوى للجمهور دون امتلاك حقوق البث أو الترخيص اللازم، وهذا الأمر نراه بكثرة في مجال القنوات الرياضية، خصوصًا مباريات كرة القدم للدوريات العالمية أو البطولات الكبرى مثل كأس العالم، البطولات الإفريقية أو الأوروبية، كما أن الشبكة التي تم تفكيكها مؤخرًا، والمعروفة باسم (StreamEast)، تعد واحدة من أكبر شبكات القرصنة التي كانت تبث هذا المحتوى بشكل غير قانوني، وذلك عبر التقاط الإشارة من المصدر وإعادة بثها للمشاهدين على شبكة الإنترنت، وهذه الممارسات تكبد الشركات المالكة لحقوق البث خسائر فادحة، وهو ما دفع مؤسسات إعلامية كبرى لتقديم شكاوى إلى التحالف العالمي للترفيه، الذي بدوره تعاون مع السلطات المصرية لتتبع أنشطة هذه الشبكة، خاصة أن نسبة ضخمة من المشاهدات كانت تأتي من داخل مصر، مما سهّل رصدها وتفكيكها، كما أن هذه الشبكات تعتمد في عملها على تقنية تعرف باسم IPTV، وهي نوعان النوع الشرعي (Official IPTV) الذي تقدمه منصات معروفة مثل "بي إن سبورت"، "OSN"، أو "شاهد"، وجميعها تملك حقوق البث وتقدم الخدمة للمشتركين مقابل رسوم رسمية واشتراكات قانونية، أما النوع الثاني فهو غير شرعي (Unofficial IPTV) مثل شبكة "ستريم إيست"، التي تقدم الخدمة بشكل مجاني أو مقابل رسوم زهيدة للغاية قد لا تتجاوز 100 أو 200 جنيه في السنة، فهذه الشبكات تحصل على إشارة البث وتعيد نشرها على الإنترنت دون ترخيص، وهو ما يعد خرقًا صريحًا لحقوق الملكية الفكرية، كما أن المشكلة أن هذه المواقع لا تعرض فقط محتوى مقرصن، بل قد تمثل تهديدًا مباشرًا للمستخدم، حيث أن الدخول على روابط غير رسمية أو تحميل تطبيقات غير معتمدة قد يؤدي إلى اختراق الأجهزة أو سرقة البيانات، مثل أرقام البطاقات البنكية. كما أن هذه المنصات غالبًا ما تحقق أرباحها عبر الإعلانات غير الموثوقة، أو من خلال بيع بيانات المستخدمين على "الدارك ويب"، إضافة إلى الاشتراكات الصغيرة التي تتحول مع عدد ضخم من المشتركين إلى أرباح هائلة، كما ان تتبع مثل هذه الشبكات ليس بالأمر السهل، فهي دائمًا ما تغير نطاقاتها (Domains) وتعيد البث عبر روابط جديدة بمجرد حجب القديمة، لذلك فإن القضاء الكامل عليها يتطلب جهدًا تقنيًا وقانونيًا متوازيًا، عبر رصد حركة البيانات، واستخدام أدوات التحليل السيبراني، بل وأحيانًا التسلل إلى داخل هذه الشبكات من خلال اشتراكات وهمية يتم استخدامها لكشف مصادر البث الأصلية.