في محاكمة عاجلة، بدأت محكمة جنايات المنيا، يوم الاثنين الماضي، أولى جلسات محاكمة المتهمة بقتل زوجها وأبنائه الستة، بالدائرة الأولى، برئاسة المستشار علاء الدين محمد عباس، وعضوية المستشارين حسين نجيدة، وأحمد محمد نصر، وأمانة سر أحمد سمير، وعادل إمام، لنظر الجناية رقم 13282 لسنة 2025 جنايات دير مواس، والمقيدة برقم 2579 لسنة 2025 كلي جنوبالمنيا... مشاهد مؤثرة ومفاجآت فجرها دفاع المتهمة وقرار جديد من المحكمة، وإلى التفاصيل.. المشهد داخل القاعة كان ثقيلًا وموجعًا؛ وجوه مترقبة تملأ المكان، وصمت مشوب بالدهشة والانتظار، لكن سرعان ما كسره بكاء طفلة صغيرة تحملها أمها المتهمة بين ذراعيها. تقدمت الأم بخطوات بطيئة نحو قفص الاتهام، تضم صغيرتها إلى صدرها، بينما صرخات الطفلة تتعالى دون انقطاع، بكاء حاد اخترق جدران القاعة وكسر هيبة الجلسة. تبكي الرضيعة بحرقة، وكأنها تستدعي أشقاءها الستة الذين غيبتهم الجريمة، أو تحتج على مصير وُجدت فيه بلا ذنب. الأم حاولت عبثًا تهدئتها، شدت عليها ذراعيها، لكن صراخها ظل يعلو، فحول القاعة إلى مشهد إنساني موجع، امتزجت فيه براءة الطفولة بفداحة الجريمة... ماذا لو كانت تلك الرضيعة تتكلم، ربما لسمعناها تقول هذه الكلمات وسط قاعة المحكمة المزدحمة بالوجوه:»بكيت بصوت عالٍ، لا أفهم شيئًا مما يدور حولي، لكني أشعر برهبة، أنني وحدي الآن، بعدما غاب إخوتي الستة، وأبي الذي لم يعد، وحيدة بعدما قُتلوا جميعا بدم بارد وها هي أمي القاتلة ربما تغيب هي الأخرى فيما بعد، بسبب ما اقترفته من جريمة بشعة.. داخل القاعة ألتصق بصدر أمي المتهمة، أبحث عن أمان لم أجده، وأصرخ في صمت: «ذنبي إيه يا أمي؟! ليه أنا الناجية من بيت كان مليان ضحك وصوت أطفال؟!.. ليه أحمل وزر حكاية أنا ما اخترتهاش»؟! «دموع الصغيرة اخترقت صمت القاعة، هزت القلوب، وأربكت الكلمات... الكل ينظر، بين غضب وشفقة، وهي مازالت تتوسد حضنًا مثقلاً بالاتهام، نشعر بها وهي تسأل بلا صوت: «هل أعيش لأروي القصة أم سأموت قهرا وحزنا وأنا لا اتحمل نظرات الناس لي بسبب عار حملته وأنا ليس لي فيه أي ذنب»؟! اقرأ أيضا: دوافع الغيرة والحقد| اعترافات المتهمة بقتل زوجها وأبنائه بالمنيا ولادة في الحبس كلمات موجعة نتخيل بها ماذا لو كانت تتحدث تلك الملاك الصغير التي لا تعرف للدنيا معنى ودخلت قاعة محكمة وهي عمرها لا يتعدى 20 يوما، فالأم المتهمة ارتكبت جريمتها وهي حامل في الشهر التاسع، ووضعت جنينها بعد القبض عليها. ظهرت المتهمة مرتدية زي السجن الأبيض داخل قاعة المحكمة، بينما احتضنت طفلتها الرضيعة أمام أنظار الحاضرين، وسط إجراءات أمنية مشددة، كما شهدت الجلسة توافد أسر الضحايا وعدد من الأهالي. بدأت الجلسة بوقوف المتهمة أمام هيئة المحكمة، تحمل رضيعتها بين يدها، حاولت تخفيف العقوبة عنها بأنها أنكرت قصدها قتل المجني عليهم عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، لكنها اعترفت بواقعة خلط المبيد بالخبز ثم أرسلته إلى منزل الزوجة الأولى حيث يقيم الأب وأطفاله، كيدًا بالزوجة الأولى، فقالت: «ماكنش قصدي أموتهم كنت عايزاهم يتعبوا بس، ويحصل مشاكل بينهم». وعندما سألها رئيس المحكمة عن السبب، قالت: «عشان والدة الأطفال طلبت من زوجي أنه يطلقني فكنت عايزه انتقم منها». ثم استمعت هيئة المحكمة إلى طلبات الدفاع التي تضمنت مناقشة الطبيب الشرعى وعددا من الطلبات، فطلب الدفاع، بإعداد تقرير من المركز القومى للبحوث عن تأثير مادة كلوروفينابير على حياة الإنسان والحيوان، وأعراضها في حالة تناول كمية صغيرة أو كمية كبيرة، وندب خبراء سموم لفحص علبة مبيد حشري عُثر عليها خلف منزل أم هاشم، أم الأطفال الضحايا، مشددًا على ضرورة تحديد نوع المادة وسبب تواجدها بالمنزل، خاصة أن الأم سبق وأن اتُهمت بمحاولة تسميم المواشي، ورد القاضي على كافة الطلبات بالقول إنها محل اهتمام المحكمة وسيتم توفيرها في جلسة لاحقة، وقررت المحكمة تأجيل القضية إلى 11 أكتوبر المقبل لاستكمال مرافعة الدفاع. قرار المحكمة القصة لم تنته هنا بعد قرار المحكمة، ولكن شهدت الجلسة أحداثًا مثيرة، بعدما انهار جد الأطفال الستة وظل يصرخ وسط القاعة: «دي قتلت سبعة يا ناس.. قتلت سبعة مرة واحدة»، ليسقط مغشيا عليه، بينما والدة الضحايا في أول مواجهة بينها وقاتلة فلذة كبدها، قالت بصوت يملؤه الحزن: «حرمتني من أولادي وزوجي، الحكم عليها بما اقترفته يداها هو اللي هيشفي غليلي». بدأت المأساة يوم 11 يوليو الماضي، حين تلقت الأجهزة الأمنية إخطارًا بوصول ثلاثة أطفال أشقاء جثث هامدة إلى مستشفى ديرمواس المركزي، بينما أصيب شقيقهم الرابع بإعياء شديد قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لاحقًا. كما نُقلت الطفلتان فرحة (14 عامًا) ورحمة (12 عامًا) إلى مستشفى صدر المنيا، لتفارق الأولى الحياة ثم تلحق بها الثانية، فيما توفي الأب بعد أيام ودفن بجوار أطفاله، في مشهد أبكى أهالي القرية.. وعقب تحريات وتحقيقات استمرت شهر ونصف، اعترفت المتهمة بارتكاب الجريمة. أصدرت النيابة العامة بيانًا، أعلنت فيه عن إحالة المتهمة للمحاكمة الجنائية، بعد ما وُجهت لها تهمة قتل 7 من أسرة واحدة مع سبق الإصرار والترصد، وبعد تحقيقات موسعة أجرتها النيابة، وجهت خلالها للمتهمة التقارير الصادرة عن مصلحة الطب الشرعي والمعامل الكيميائية، والتي أثبتت استخدام مادة سامة جدًا اسمها الكلوروفينابير، وهو مبيد حشري يؤدي لانهيار التنظيم الحراري للجسم وفشل الأجهزة الحيوية لحد التوقف الكامل عن العمل، هذه الآثار ظهرت بالفعل في العينات المأخوذة من جثامين الضحايا.