تابعت المؤتمر الصحفي لمهرجان الجونة السينمائي الدولي الذي عقد أمس، والذي يأتي مع اقتراب موعد انطلاق الدورة الثامنة ، التي تعقد خلال الفترة من 16 إلى 24 أكتوبر المقبل، وتزداد التطلعات نحو ما سيقدمه هذا الحدث السينمائي الذي أصبح خلال سنوات قليلة من أبرز المهرجانات في العالم العربي، المؤتمر الصحفي كشف عن ملامح دورة تحمل الكثير من الطموح، سواء في برمجة الأفلام أو القضايا التي يطرحها المهرجان أو حجم المشاركات الدولية ، ولنا بعض الملاحظات علي ما جاء في المؤتمر الصحفي : الملاحظة الأولي : إذا نظرنا إلي القضية الرئيسية التي يطرحها المهرجان هذا العام وهي قضية «الأمن الغذائي» ، فنجدها القضية الإنسانية الأولي عالميا والتي يعاني منها عدد كبير من سكان الارض نتيجة المجاعات في أماكن متفرقة من العالم بسبب الفقر أو الحروب ، مثل حالة التجويع التي يتعرض لها أهل غزة بسبب الحرب مع الكيان، ومنذ تأسيسه رفع مهرجان الجونة شعار «سينما من أجل الإنسانية»، وفي كل دورة يختار قضية محددة لتكون محور الاهتمام، هذا العام وقع الاختيار على الأمن الغذائي، بالتزامن مع اليوم العالمي للغذاء. هذه الخطوة تبدو أكثر من مجرد إطار دعائي، إذ يسعى المهرجان إلى جعلها قضية مركزية تنعكس في العروض والندوات والمناقشات، وهو ما قد يفتح الباب أمام تناول إبداعي لموضوع بالغ الحساسية في العالم العربي وأفريقيا، حيث يشكّل الغذاء أحد أكبر التحديات المستقبلية. أما الملاحظة الثانية : اذا نظرنا لبرمجة المهرجان فإننا نتوقف أمام برمجة غنية جدا تتضمن أفضل ما انتجت السينما العالمية خلال عام 2025، أفلام في عروضها العالمية والدولية والشرق أوسطية الأولي، أفلام حصدت "سعفة كان ودب برلين وأسد فنيسيا"، والجوائز الأولي من المهرجانات الكبري، أفلام تناقش قضية حقيقية وتعمل علي إعمال العقل وسمو الروح ودغدغة المشاعر، فالمهرجان أعلن عن مشاركة نحو 70 فيلمًا من أكثر من 40 دولة، وهو برنامج ضخم للأفلام، ما يضع الدورة في مصاف المهرجانات الكبرى من حيث التنوع والثراء وسيكون الافتتاح بالفيلم المصري«عيد ميلاد سعيد» من بطولة نيللي كريم، والذي حصد جوائز أفضل فيلم دولي، أفضل سيناريو دولي، أفضل مخرجة من مهرجان تريبيكا بأمريكا، بما يضيف بعدًا مصريًا خاصًا، إلى جانب المسابقات الثلاث "الروائية الطويلة، الوثائقية، القصيرة"، ستُعرض مجموعة من الأفلام خارج المسابقة وعروض خاصة لأفلام حصدت جوائز دولية، هذا التنوع يتيح للجمهور المصري والعربي فرصة نادرة لمتابعة أحدث الاتجاهات السينمائية في العالم، ويمنح صناع الأفلام فرصة لتوسيع رؤيتهم الفنية. ومن أبرز محطات الدورة تكريم الفنانة منة شلبي بجائزة الإنجاز الإبداعي، تقديرًا لمسيرتها التي وضعتها في صدارة نجمات السينما العربية كما تستضيف الدورة النجمة العالمية كيت بلانشيت كضيفة شرف، وهو حدث سيجذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية ويعزز من صورة المهرجان كمنصة ذات بعد دولي. الملاحظ الثالثة: إحدى أبرز إنجازات المهرجان منذ تأسيسه هي منصة سيني جونة التي صارت اليوم من أهم منصات دعم المشاريع في المنطقة، وهذا العام استقبلت المنصة 290 مشروعًا من دول عربية وأجنبية، وهو رقم قياسي يعكس ثقة صُناع السينما في المهرجان وتقدم المنصة ورش عمل ولقاءات مع منتجين وموزعين دوليين، وهو ما يفتح الباب أمام مشاريع جديدة قد ترى النور بفضل هذا الدعم، بالنسبة للمخرجين المصريين الشباب، تمثل هذه المنصة نافذة على سوق عالمي وفرصة نادرة للحصول على تمويل وتوزيع دولي. الملاحظة الرابعة : بالرغم أن الاحتفال بمئوية ميلاد المخرج الكبير يوسف شاهين ستكون 25 يناير 2026 إلا ان مهرجان الجونة قرر القيام بإفتتاحيه الإحتفالية التي تستمر عام كامل في العديد من المهرجانات الكبير والمعاهد المتخثصصة حول العالم ، فيقدم"الجونة " برنامج خاص يتضمن عروضًا استعادية ومعرض صور يوثق لمسيرته ، وهذه الخطوة تحمل بعدًا ثقافيًا، وتربط بين الماضي والحاضر، وتؤكد أن المهرجان لا يسعى فقط إلى استقطاب الجديد، بل يولي اهتمامًا بالذاكرة السينمائية المصرية والعربية، بما يرسخ هويته الثقافية. واذا قارنا الدورة الثامنة بالدورات السابقة للمهرجان ، فنجد من ابرز نقاط القوة في الدورة الجديدة : وضوح الرؤية الإنسانية عبر اختيار قضية الأمن الغذائي ، وتوسع غير مسبوق في منصة سيني جونة واستقبال أكبر عدد من المشاريع ، حضور عالمي مؤثر بفضل ضيوف مثل كيت بلانشيت، ربط الحاضر بالتراث عبر الاحتفاء بيوسف شاهين ، أما نقاط الضعف: فإن التوسع الكبير قد يهدد الجودة إذا لم يُدار بعناية ، هناك تحديات لوجستية في استقبال أعداد ضخمة من الضيوف والأفلام ، خطر أن تظل القضية الإنسانية مجرد شعار ما لم تُترجم إلى مبادرات ملموسة،منافسة قوية مع مهرجانات إقليمية أخرى تستقطب نفس الجمهور والضيوف. ويمكن القول إن الدورة الثامنة تمثل اختبارًا مهمًا لقدرة المهرجان على الجمع بين التوسع الكمي والجودة النوعية، كما أنها اختبار لقدرته على الحفاظ على هويته كمنصة داعمة للسينما الجادة، وفي الوقت نفسه كحدث جماهيري وإعلامي كبير. الخلاصة: بعد ثماني سنوات فقط من تأسيسه، نجح مهرجان الجونة في أن يصبح أحد أبرز المهرجانات السينمائية في المنطقة، يجمع بين العروض العالمية والدعم المهني والاهتمام بالقضايا الإنسانية، لكن التحدي الحقيقي هذا العام يكمن في أن يظل قادرا علي ترجمة شعاره إلى فعل، وأن يحقق التوازن بين الطموح العالمي وخدمة السينما المصرية والعربية ، فإذا نجح في ذلك، فإن مهرجان الجونة لن يكون مجرد حدث سنوي، بل مؤسسة سينمائية مؤثرة تساهم في رسم مستقبل السينما في مصر والمنطقة.