كلمتان متناقضتان، كتناقض الليل والنهار، والموت والحياة. فالحرب تحمل في طيّاتها الدمار والخراب وسفك الدماء، ويُفتَخر فيها بمن استطاع أن يُسقط عدوه أرضًا، وبقدر ما يُحدث من قتل ودمار، تُرفع راية الانتصار؛ لكن على حسابٍ فادح من الأرواح والممتلكات. الحرب بلا مشاعر؛ لا قلب يُشفع، ولا عين تدمع، ولا أذن تسمع. هي ثمرة العداوة، وأخت الخراب، وصديقة النار، غذاؤها الموت وشرابها الدماء، وقوتها مستمدّة من الألم والعويل. حينما تحلّ الحرب بأرضٍ ما، يعمّ الصمت الموحش، ويعلو نعيق البوم، ونعيب الغربان، وعواء الذئاب. تُطوى في لحظات جهود عقود طويلة، ويتحوّل كل ما بُني إلى ركام، وتخلف وراءها الثكالى، والأيتام، والمعوّقين، وندوبًا لا تندمل في الجسد والروح. تغرس الخوف والرعب، وتترك تشوّهات نفسية وجسدية في قلوب الأبرياء. وتبقى آثار الحرب محفورة في الذاكرة والوجدان عبر الأجيال؛ إنها الكابوس الذي شتّت الأحبة، وفرّق الآباء عن الأبناء، وشوّه وجه الحياة. فكم دفنت الحروب من ذكريات؟ وكم محَت من قصص حب وصداقة؟ لا تُذكَر الحرب إلا بالألم الذي طعن الصدور، وسكن القلوب. جذور الحرب في التاريخ.. حين نعود إلى التاريخ ونبحث في جذور الحروب، نكتشف أن كثيرًا من الحضارات القديمة قدّست آلهة الحرب، ورأت في القتل والتعذيب وسيلة لإرضاء قوى القوة والبطش. في اليونان القديمة: عبد الإغريق الإله "آريس"، رمز الحرب العنيفة، والدموية، والفوضى. لم يكن يبالي بعواقب أفعاله، وكان يخوض الحروب بلا رحمة أو شفقة. في مصر القديمة: الإله مونتو: رمز القوة والشجاعة، وكان يُعبد في طيبة. الإله سِت: إله الفوضى والعنف، مرتبط بالصحراء والظلام، وكان يُنظر إليه كرمز للشر بسبب قتله لأخيه أوزوريس. الإلهة سخمت: إلهة الدمار والانتقام، صُوِّرت كامرأة برأس لبؤة، وكانت تُقدّس في منف. هذا التقديس لتلك الآلهة أسهم في نشر ثقافة العنف والقتل، وألقى بظلاله على فكر الشعوب وسلوكها، حتى صارت الحروب وسيلة لإثبات الذات، لا وسيلة لحماية الحق. فالحرب لا تدمّر المدن فقط، بل تُفقر النفوس، وتُفرغ المجتمعات من إنسانيتها. تكلفتها لا تُقاس بعدد الضحايا فقط، بل تشمل الأموال المهدرة، النزوح القسري، الانهيارات الأخلاقية، والغضب الذي يزرع أحقادًا تستمر أجيالاً. الحرب لها رجالها... أولئك الذين يسجدون لقوى الظلام، لا يعرفون الأمن ولا يرغبون في الاستقرار. هم من يصنعون الفتن، ينشرون الشائعات، ويضلّلون البسطاء، يستمدّون أفكارهم من آلهة الشر والعنف، ويستفزون أبناء السلام الذين يعيشون في طمأنينة ويصنعون الخير. السلام... كلمة تصنع الحياة. في المقابل، يأتي السلام كالنور بعد العتمة، وكالماء في الأرض العطشى. هو الكلمة التي تبني الجسور، وتزرع الأمل، وتُنبت في القلوب ثمار المحبة. إن أردت أن ترسم ابتسامة على وجهٍ حزين، امنحه عهد سلام. إن أردت أن تُحطّم السيوف وتُوقف الحروب، فادعُ إلى السلام. إن أردت أن تملأ القلوب حبًا بعدما امتلأت كراهية، ابدأ بالسلام. إن أردت أن تنير العقول وتُزيل الجهل،انشر ثقافة السلام. إن أردت أسرة مستقرة ومجتمعًا آمنًا، فاغرس بذور السلام. السلام هو أن تترك الأطفال يذهبون إلى مدارسهم وكنائسهم ومساجدهم بأمان. هو أن يفرح الفلاح بزرعه، وتطمئن الأم على أولادها، ويبتسم العابر في الشارع حيث لا يوجد عاثر . وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (الإسراء: 70) وفي الإنجيل أيضًا، قال السيد المسيح عليه السلام: هكذا أحب الله العالم. وقال أيضًا: طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ (متى 5: 9) السلام ليس كلمة تقال، بل فعلا يُمارَس. السلام أن تملأ بيتك حبًا، وأسرتك حنانًا، ومجتمعك طمأنينة. أن تُنير قلبًا امتلأ بالكراهية، أن تبتسم في وجه العبوس، وتزرع الأمل في قلوب اليائسين. السلام أن تمسك بأيدي المتخاصمين، وتهدم الجدران بين البشر، وتبني جسور التفاهم. إنه لا خلاص لهذا العالم إلا بالسلام... فهو النور الذي لا ينطفئ، والسلاح الذي لا يُسال به دم، والحل الذي يُعيد للإنسان وجهه الإلهي. فهل نختار أن نكون أبناء الحرب... أم أبناء السلام؟.