ما الذى نراه ونسمعه ونعيشه اليوم؟.. أهو من معجزات السياسة، أم من مهازل التاريخ؟ إن الإنسان ليقف حائرًا مذهولًا، عاجزًا عن فهم ما تصنعه إسرائيل، التى اتخذت الدماء لغة رسمية لها، تتحدث بها بلا رحمة ولا قلب. نعم لم تخطئ القراءة، ولم يضل البصر، أن إسرائيل التى تزهق الأرواح فى غزة، وتقطع الأمعاء بالجوع، وتدك الملاجئ فوق رءوس الأطفال، قد وسعت عربدتها لتطال دولة أخرى آمنة، مستقلة، ذات سيادة بحجة أنها تؤوى من لا ترضى عنهم.. أى منطق هذا؟.. أى عقل يستوعب؟. لقد تجاوزت إسرائيل كل قبح، وكل سفالة، وكل قاع كانت البشرية تتجنب السقوط فيه. ليس ما تفعله فى المنطقة الآن مجرد تحركات عسكرية، أو ردود فعل أمنية، كما تدعى، وإنما هو فعل سافر لعربدة سياسية وميدانية تمضى فيه بلا قيد أو وازع، مدعومة بحماية أمريكية أصبحت لا تخجل حتى من الظهور كطرف مباشر فى الجريمة. إن ما تفعله إسرائيل ليس دفاعًا عن النفس، بل غطرسة مسعورة ومرض استعلائى لا شفاء منه. نعم إسرائيل قصفت قطر، رغم وجود قواعد عسكرية أمريكية على أرضها.. دون أن يصدر عن واشنطن سوى صمت مريب، أو تبرير مفضوح، وكأن أمريكا قد تحولت من وسيط كاذب إلى شريك معلن. إسرائيل تريد تفكيك ما تبقى من النظام العربى، وتركيع كل الأطراف، وإعادة رسم الخريطة بأدوات القوة فقط. فهى تعمل على ألا يبقى فى المنطقة صوت يسمع سوى صوتها، ولا جيش يتحرك إلا بإذنها، ولا حليف إلا من سلم لها ودفع الثمن.. تريد أن يخضع الجميع لها.. تريد أن تتحول القيم إلى رماد، والمقاومة إلى إرهاب، والحق إلى باطل، والصمت إلى فضيلة، تريد أن تحكم المنطقة بقوة الحديد والزيف والكذب. والسؤال الذى يطرح نفسه، متى تتوقف؟ والجواب ليس فى العواصمالغربية، ولا فى حسابات الردع، بل فى وعى المنطقة بحقيقة ما يحاك لها، فإسرائيل لن تتوقف لأنها شبعت، بل لأنها أُجبرت، لن تردعها القمم ولا الإدانات، بل إرادة إقليمية صلبة، تعيد تعريف الكرامة، وتدرك أن السكوت على ضرب قطر، وحصار غزة، وتهويد القدس، ليس حيادًا، بل انتحار تدريجى للأمة. لقد دخلنا زمنًا جديدًا، فيه إسرائيل لم تعد تخشى شيئًا، وأمريكا لم تعد تخفى انحيازها، والعرب أمام خيارين لا ثالث لهما إما الوجود بشرف، أو البقاء كتوابع، ولا شرف للتوابع.