أتفهم التزام بيان وزارة الخارجية بالأعراف الدبلوماسية، وأقصى درجات ضبط النفس، فى ردها على بنيامين نتانياهو، حول منع سكان قطاع غزة من تنفيذ مخططات إسرائيل بالتهجير القسرى لهم، بعد أن تحول إلى (كذاب أشر)، بحديثه الذى ليس له أى علاقة بالوقائع على الأرض، وادعائه بأن مصر تفضل حبس سكان غزة فى منطقة حرب، خلافًا لرغبتهم، وقال (يمكننى فتح معبر رفح للنازحين من غزة، ولكن سيتم إغلاقه فورًا من الجانب المصرى)، بدا نتنياهو كما لو كان أحد نشطاء حقوق الإنسان المزيفين، عندما كشف - دون وجود أى أرقام أو إحصائيات - عن رغبة نصف أهالى غزة فى المغادرة، دون أن يعتبر ذلك - لا سمح الله - طردًا جماعيًا، بل حق أساسى لكل فلسطينى، وتفضل علينا مكتبه لشرح ما يقصده السيد نتنياهو، طيب القلب نصير حقوق الإنسان، بعد الرد الحاسم من وزارة الخارجية. وكان من الطبيعى أن تستنكر مصر هذه التصريحات، ووصفتها بأنها ادعاءات مضللة ومرفوضة، وتهدف إلى صرف الانتباه عن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة ضد المدنيين الفلسطينيين، فقد تغافل نتنياهو ومكتبه، حقيقة أن مواقف مصر واضحة صريحة، منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، وتحديدًا فى الثامن عشر من أكتوبر 2023، حيث رفض الرئيس السيسى فى مؤتمر صحفى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس، التهجير إلى سيناء، واعتبره (خط أحمر يتعلق بالأمن القومى المصرى)، كما أنه انتهاك صارخ للقانون الدولى، يصل إلى حد التطهير العرقى، وأنها لن تكون شريكة فى هذا الظلم، ولن تتحول إلى بوابة له. ولعلى هنا كإنسان ومسلم ومصرى وعربى، إن يكون لى موقفى الشخصى من هذه الأكاذيب، فلم يعد من المقبول السكوت عليها، نتنياهو هو آخر شخص فى العالم، يحق له اتهام مصر، فهو مثل (الشيطان الذى يعظ) و(المجرم المستمر فى جريمته، ويبحث لضحاياه عن حل) على مقاسه، متناسيًا أنه (مجرم حرب)، وهذا التوصيف ليس من عندى، ولكن من مذكرة التوقيف الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية الصادرة فى 21 نوفمبر من العام الماضى، ومعه وزير دفاعه السابق يوآف جالانت، باعتبارهما مشاركين فى جريمة ضد الإنسانية، المتمثلة فى القتل والاضطهاد وغيرها، فقد نجح طوال عدوانه المستمر منذ طوفان الأقصى، فى تحويل غزة إلى (سجن كبير)، وزاد معدل الإجرام منذ مايو من العام الماضى، بالسيطرة، على معبر رفح من الجانب الفلسطينى، مع إيقاف دخول المساعدات، ومنع خروج المرضى والمصابين للعلاج، كما نجح فى إنجاز (مقتلة غير مسبوقة) فى التاريخ، والأرقام لا تكذب، فالحصيلة بعد 700 يوم، إلقاء الجيش الإسرائيلى 125 ألف طن من المتفجرات، تسببت فى تدمير 88 بالمائة من القطاع، وهناك ربع سكان غزة عانوا من تبعات هذا العدوان، بعدد شهداء يصل إلى حوالى 64 ألفًا، وحوالى 161 ألف مصاب، 9500 مفقودين، والخسائر الأولية تتجاوز 68 مليار دولار فى كافة القطاعات. ولدى سؤال إلى السيد نتنياهو (صاحب القلب الكبير والمشاعر الإنسانية الفياضة)، الذى يسعى إلى إنقاذ نصف سكان غزة من إجرامه، بخلق طريق من اتجاه واحد ذهاب بلا عودة، ماذا نسمى ما تقوم به فى الضفة؟، وهى ليست جزءًا من المواجهات العسكرية، وقد لا تمثل خطرًا على إسرائيل، من تكريس ضمها كجزء لا يتجزأ من الدولة اليهودية، والخلافات فقط حول شكل الضم والمساحة المستهدفة، وقد تحدث وزير الماليه سيموتريش عن 82 بالمائة منها، وماذا تقول عن تفكيك السلطة، من خلال خطوات مختلفة، منها تجفيف مواردها المالية، أظن أنها جميعًا تصب فى خانه إنهاء للقضية الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية. تصريحات نتنياهو وتحركه، تعبر عن (شخص مأزوم) يحارب (طواحين الهواء)، فهو يسعى إلى تصدير أزماته إلى مصر، والتهرب من المسئولية عن جرائمه، وصرف الأنظار عن فشل حكومته فى تحقيق أهداف العدوان الثلاثة، إطلاق سراح الأسرى، نزع سلاح حماس، إنهاء أى تهديد لإسرائيل من القطاع، ويلجأ إلى أسلوب التحريض والتضليل ضدها، ناهيك إلى فتح معارك مع قادة دول العالم، حيث فقد توازنه، والحد الأدنى من اللياقة والدبلوماسية، فى التعبير عن مواقفه، تجاه الدول التى أعلنت عن أنها فى طريقها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولعل النموذج الأبرز، لذلك تهجمه على رئيس وزراء بلجيكيا بارت دى فيفر، ووصفه بأنه (قائد ضعيف)، يسعى إلى مهادنة الإرهاب، والتضحية بإسرائيل، وهو ما فعله أيضًا مع رئيس وزراء أستراليا، كما سبق له أن اتهم الرئيس الفرنسى بتأجيج معاداة السامية، مما حول بلاده إلى (دولة منبوذة) فقدت عددًا كبيرًا من الأصدقاء التقليديين، وكذلك شركاء محتملون فى الإقليم، ونتوقف هنا عند نموذج دولة الإمارات، التى أقامت علاقات سلام مع تل أبيب وفقًا للاتفاقيات الإبراهيمية، وظهرت للوجود فى سبتمبر من عام 2020، فقد اعتبرت فى بيان صدر فى الرابع من هذا الشهر، أن ضم الضفة الغربية خط أحمر، يمكن أن يدفعها إلى إعادة النظر فى اتفاقية السلام، بينهما، ويقوض بشدة، رؤية تلك الاتفاقيات الإبراهيمية، وينهى التكامل الاقليمى. كلمة أخيرة للسيد نتنياهو، وفر على نفسك (دموع التماسيح)، واترك غزة لأهلها، وادرس التاريخ جيدًا، لقد بقى القطاع وذهب سابقوه للجحيم، فالفلسطينى بوعيه وتجذر حياته فى أرضه، ووطنه، يملك قدرة هائلة وغير محدودة على الصمود، فطوال عقود لم يغادره رغم تعدد جولات العدوان.