خيانة واضحة لا لبس فيها، عام من الارتماء فى أحضان المحتل، قرن كامل وجماعة الإخوان الإرهابية تحاول وأد الحركات الوطنية خدمة لأعداء مصر، محاولات مستميتة لتدمير الهوية المصرية، وزعزعة الاستقرار، واستهداف العقيدة الوطنية، واستغلال الدين وتوظيفه لصالح كل من يريد الإضرار بوطننا. التاريخ يذكر أن بريطانيا كانت تبحث عن طرق للقضاء على التيارات الوطنية المقاومة للاحتلال، لكنها لم تكن تعرف السبيل لتحقيقها، كانت تفشل دائمًا فى وجود زعماء مثل مصطفى كامل وسعد زغلول حتى أتى «الساعاتى» بابنه حسن البنا، لتبدأ مهمة «الجماعة القذرة» التى نشأت بتمويل قدره 500 جنيه من الاحتلال البريطانى، وهكذا بدأ المولود الجديد، الذى سُمِّيَ ب«الإخوان المسلمين»، فى تحقيق هذه الاستراتيجية التى سعت لها الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، لتكون ذراعها فى تحقيق أهداف الاستعمار، وبدأت الجماعة بالفعل فى تحقيق هدفها، بدايةً بضرب حزب الوفد فى الماضى، وصولًا إلى استهداف التجربة الناصرية ومواجهة الاستعمار، ثم اغتيال الرئيس السادات بعد أن قهر العدو الإسرائيلى.. لتفرض هذه المواقف أسئلة كثيرة لكن يظل السؤال الأكبر: لماذا كانت بريطانيا دائمًا الحضن الآمن للإخوان المسلمين؟ وكيف تم استخدام الجماعة للإضرار بالمصالح الوطنية لمصر.. «الأخبار» فى هذا التحقيق الصحفى، بحثت فى أروقة العلاقة المشبوهة بين الجماعة والمحتل وناقشت الخبراء لمعرفة أسباب هذه العلاقة والإجابة عن هذه التساؤلات. تشيرالروايات التاريخية إلى دعم بريطانى مبكرلجماعة الإخوان الإرهابية، إذ رأت لندن فى الجماعة أداة لمواجهة الحركات الوطنية، مثل حزب الوفد الذى قاد حملات الاستقلال ضد الاحتلال وغيره من الأحزاب والتيارات المصرية الوطنية.. ووفقًا لتقارير تاريخية، بدأت بريطانيا تمويل الإخوان، وقدمت أموالًا للجماعة لتعزيز نفوذها ضد الوفديين. وكان الهدف واضحًا وهو إضعاف القوى الوطنية التى تهدد المصالح البريطانية فى قناة السويس ومنطقة الشرق الأوسط، وبالفعل منحت سلطات الاحتلال الإنجليزى لحسن البنا مؤسس الإخوان مبلغ 500 جنيه، وهو مبلغ يُعد ثروة فى ذلك الوقت، بهدف دعم إنشاء الجماعة. وفى عام 1942، عقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعًا مع رئيس الوزراء المصرى نجيب الحلالى، حيث تم الاتفاق على تمويل الإخوان بشكل مباشر هذا الدعم لم يكن مجانيًا، فقد استُخدمت الجماعة لمواجهة الشيوعيين والقوميين، واستمر الدعم لاستهداف الزعيم جمال عبد الناصر بعد ثورة 1952. على سبيل المثال، خلال فترة الاحتلال البريطانى. اقرأ أيضًا | الكافرون بالوطن| الإخوان.. جماعة ترفض الدولة وتستهدف تمزيق الوحدة برنامج «Prevent» واستمرت التمويلات عبر منظمات مرتبطة بالإخوان فى بريطانيا، مثل «جمعية المسلمين البريطانيين» (MAB)، التى تلقت تمويلًا حكوميًا تحت برنامج «Prevent» لمكافحة التطرف، رغم روابطها بالإخوان فى الواقع. وبحسب دراسة للمركز المصرى لدراسات الديمقراطية الحرة، تمتلك الجماعة فى بريطانيا شبكة من 39 مؤسسة ومنظمة حقوقية ومدارس ومراكز بحثية، معظمها فى منطقة «إيلينج» غرب لندن، من بين هذه المؤسسات: مؤسسة قرطبة، وقناة الحوار، ومنظمة «أنتربال» التى صُنفت كمنظمة إرهابية من قبل الولاياتالمتحدةوبريطانيا، وتلقت هذه المؤسسات تمويلات بملايين الجنيهات الإسترلينية، بعضها من جهات حكومية بريطانية تحت غطاء «العمل المدنى»، وبعضها من تبرعات مشبوهة مرتبطة بجماعات الإسلام السياسى. مقابل تنفيذ أجندة بريطانية تشمل تقسيم الدول العربية أو مواجهة الخصوم الجيوسياسيين. وبعد انتصار الإرادة المصرية فى إنهاء عصر الظلام الإخوانى ونجاح ثورة 30 يونيو عام 2013 وإعلان جماعة الإخوان «إرهابية» فى مصر، أصبحت بريطانيا الملاذ الأمن «للإرهابية» بطلبات لجوء بعد أن أصدرت وزارة الداخلية البريطانية فى عام 2016 توجيهًا يسمح بمنح اللجوء لأعضاء الجماعة الهاربين من مصر، واستفاد أعضاء الجماعة الإرهابية من تمويلات بريطانية أو دولية، مثل تلك المقدمة ل»الإغاثة الإسلامية»، التى لها روابط بالإخوان، وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 1000 قيادى وناشط تابعين للتنظيم الإرهابى فى بريطانيا يعملون على حملات إعلامية ودبلوماسية لتقويض الاستقرار المصري، مثل دعم الاحتجاجات أوالترويج لاتهامات تتعلق بحقوق الإنسان.. وعلى الرغم من أن تقريرًا بريطانيًا صدر عام 2015 وصف الإخوان بأنهم يرون المملكة المتحدة ك»عدوة للإسلام»، إلا أنهم نجحوا فى استخدامها كقاعدة للعمل ضد مصر. ووفقًا لدراسة توثيقية للمركز المصرى لدراسات الديمقراطية الحرة، فإن أبرز هذه الشخصيات التى تعاونت مع أجهزة بريطانية: إبراهيم منير: نائب المرشد العام السابق للإخوان، والذى كان أحد أبرز قيادات الجماعة فى أوروبا، وعاش فى لندن لأكثر من 30 عامًا، يتمتع بحرية كاملة فى التنقل والعمل، ناهيك عن تردده على مجلس العموم البريطانى وجهاز المخابرات البريطانية (MI6) حتى وفاته عام 2022.. وبرز أيضا عبد الله عصام الحداد نجل القيادى الإخوانى عصام الحداد، حيث ظهر بعد ثورة 2011 على الساحة المصرية كقيادى شبابى بعد ثورة 2011 متولياً إدارة المنشورات الإعلامية للجماعة من لندن، وأرسلها إلى الصحف الأجنبية، وعُين عام 2012 مساعدًا للشؤون الخارجية للرئيس المعزول محمد مرسى ومع نجاح ثورة ال 30 من يونيه ادين فى قضايا تحريض على العنف، لكنه يحتمى فى بريطانيا التى ترفض تسليمه بسبب إقامته هناك وحصوله على الجنسية البريطانية.. كذلك ظهرت سندس عاصم اسم اخر يؤكد عمالة الجماعة الإرهابية لبريطانيا خاصة انها كانت إحدى القيادات الشابة التى أدارت موقع «إخوان ويب» الإنجليزى منذ تأسيسه عام 2005، وعُينت فيما بعد مستشارة للشؤون الخارجية للرئيس المعزول محمد مرسي، لكنها هربت إلى لندن مع عائلتها بعد سقوط حكم الإخوان رغم إدانتها القضائية بالإعدام. كذلك مها عبد الرحمن عزام والتى تحمل الجنسية البريطانية، والتى فساهمت فى تأسيس كيانات داعمة لأجندة الجماعة مثل «مصريين من أجل الديمقراطية» و«المجلس الثورى المصري» مستغلة علاقاتها القوية مع دوائر صنع القرار. ومن بين أعضاء التنظيم البارزين عزام التميمى وهو فلسطينى الأصل، يرأس قناة «الحوار» التى تبث من لندن وتدعم أجندة الإخوان. وأخيراً أنس التكريتى عراقى الأصل، والذى يرأس مؤسسة قرطبة، التى وصفها رئيس الوزراء البريطانى السابق ديفيد كاميرون ب«واجهة سياسية للإخوان» يدير شبكة من المنظمات الحقوقية التى تهاجم النظام المصرى وتدعم أنشطة الجماعة. لجنة «سير جون جينكينز» ووفقًا لتحقيقات لجنة «سير جون جينكينز» عام 2014، تمتلك الجماعة 39 مؤسسة إخوانية فى بريطانيا، تتركز فى مبانى إدارية مثل «ويستجيت هاوس» و»كراون هاوس» فى إيلينج غرب لندن، وكلها منابر تُستخدم لضرب الاستقرار المصرى. فى البداية يؤكد محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، أن العلاقة بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان المسلمين تمتد لما يقرب من قرن من الزمان، تحديدا منذ عام 1928، وهى علاقة موثقة ومعروفة. ويوضح أن بريطانيا تحتضن هذه الجماعة وغيرها من الحركات من مصر والسودان ودول أخرى، تحت شعار دعم «النظام الإسلامى الديمقراطي»، لكن الهدف الحقيقى هو استخدام هذه الجماعات كأدوات للضغط السياسى واختراق أنظمة الدول. ويشير العرابى إلى أن بريطانيا تتبع نهجاً ثابتاً فى سياستها الخارجية، حيث توفر ملاذاً للمعارضين من مختلف دول العالم، ليس فقط من مصر، بل أيضاً من دول مثل ليبيا وسوريا، مستغلة هذه الجماعات ك»كروت» فى لعبة التأثير على الأنظمة الحاكمة.. ويضيف أن هذا النهج ليس جديداً، بل هو جزء أصيل من السياسة البريطانية التى تتسم بالتناقضات، حيث تدعى حماية حرية الرأى والتظاهر، بينما تتغاضى عن الاعتداءات على بعثات دبلوماسية، كما حدث مؤخراً مع السفارة المصرية فى لندن، حيث كان هناك تراخٍ واضح من الشرطة البريطانية. ويكمل وزير الخارجية الأسبق موضحا أن هذه الجماعات، بما فيها الإخوان المسلمين، تتلقى تمويلاً ضخماً من أجهزة مخابرات، بميزانيات خارج إطار الرقابة الحكومية، وهذا التمويل يُستخدم للحفاظ على نفوذ هذه الجماعات كأدوات ضغط، وليس لدعم أهدافها المعلنة. ويتابع أن بريطانيا، رغم علاقاتها الدبلوماسية القوية مع مصر، تستمر فى هذا النهج لخدمة مصالحها، كما ظهر فى مواقفها المتطرفة فى قضايا مثل حادث الطائرة الروسية.. ويختتم العرابى حديثه مؤكدا على أن مصر، كدولة ناضجة، تتعامل مع هذه القضايا بحكمة وفى إطارها الدبلوماسي، مشدداً على أن مثل هذه الأحداث، رغم دلالتها على السياسة البريطانية المتناقضة، لا تؤثر على عمق العلاقات بين البلدين، لكنها تكشف عن استمرار بريطانيا فى استخدام الجماعات المعارضة كأدوات لتحقيق أهدافها السياسية فى المنطقة. «القرون الظلامية» وفى سياق متصل، تؤكد هند الضاوى الباحثة المختصة فى العلاقات الدولية أن بريطانيا تُعدّ من أبرز الدول عالميًا فى استغلال ملف الدين لخلق أدوات وظيفية يتم التلاعب بها، بهدف استنزاف الدول الوطنية التى كانت ضمن نطاق نفوذها الاستعمارى سابقًا، وهذا النهج لم يكن وليد اللحظة، بل يعود إلى تاريخ بريطانيا الطويل فى توظيف الدين لأغراض سياسية. وتشير الضاوى إلى أن هذا التوجه تصاعد بعد الحرب العالمية الثانية، حيث واجهت بريطانيا تراجعًا اقتصاديًا حادًا وأفولًا فى نفوذها، مما دفعها للبحث عن أدوات تحقق أهداف الاستعمار دون تواجد عسكرى مباشر وخشن، لذا، لجأت بريطانيا إلى أداة الدين مرة أخرى. وتضيف أن بريطانيا تمتلك خبرة واسعة فى التلاعب بالأوراق الدينية لخدمة مصالحها، فهى أول من انقلب على الحكم البابوى واستخدم البروتستانتية لتحقيق أهدافها السياسية والاستعمارية، وفى التاريخ الحديث، تحديدًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، ومع تراجع بريطانيا اقتصاديًا مقابل صعود أمريكا، تزامن ذلك مع موجة مقاومة الاستعمار فى الشرق الأوسط، والحركات الوطنية الرافضة للاستعمار، خاصة مع وصول الزعيم جمال عبد الناصر إلى الحكم فى مصر عام 1952 ودعمه لطرد الاستعمار. اضطرت بريطانيا حينها إلى خلق أدوات بديلة عن الاستعمار المباشر، تكلفها أقل سياسيًا واقتصاديًا. وهنا برز الإسلام السياسي، مع جماعة الإخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا، الذى يعود أصله إلى أصول مغربية، وكان يُعرف بحسن الساعاتي، والذى ارتبط بالبنائين الأحرار (الماسونية)، فاستبدل لقب الساعاتى بالبنا. وتوضح الضاوى أن استخدام جماعة الإخوان يعد جزء توصيات المفكر البريطانى اليهودى الأمريكى برنارد لويس، صاحب مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، الذى يعتمد على خلق جماعات وظيفية ذات مظهر دينى لإثارة الشغب واستنزاف الدول الوطنية القومية الصاعدة. وحذرت الضاوى من أن دور الإخوان مركزى فى توفير شرعية لتقسيم المنطقة، خاصة أن عملياتها الإرهابية أو تصوير الإرهاب على أنه متمركز فى الدولة يفتح الباب أمام الأقليات أو الدول الصغيرة لطلب الحماية من بريطانيا أو أمريكا أو فرنسا، فى سيناريو يقارب الانتداب بعد سقوط الخلافة العثمانية.. وتشير المحللة السياسية إلى أن الجماعات الوظيفية ليست مقتصرة على الإخوان، بل تشمل تنظيم القاعدة، حيث كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 بداية تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، مما أتاح لأمريكا غزو أفغانستان والعراق، وتكمل موضحة أن المشروع البريطانى للاستيلاء على مقدرات الدول تم على مراحل: الأولى مع أحداث 11 سبتمبر وغزو الدول الإسلامية، والثانية مع «الربيع العربي» عام 2011، حيث لعب الإخوان دورًا كبيرًا، والثالثة تدمير شامل وتقسيم الدول لعودة المستعمرين.. وتشدد الضاوى على أن بريطانيا هى «من صنعت أمريكا وإسرائيل»، فأمريكا صُنعت عبر موجات الهجرة البروتستانتية، وسُلمت فلسطين للصهاينة منذ عام 1917 عبر وعد بلفور، ودُربت مجموعاتهم المسلحة، وصُنعت المسيحية الصهيونية والإسلام السياسي. «MI6» يؤكد اللواء ممدوح الإمام، مساعد مدير المخابرات الحربية السابق، أن بريطانيا تتبع سياسة تاريخية فى احتضان الحركات المناهضة للدول، سواء كانت إسلامية أصولية أو غيرها، لاستخدامها كأدوات ضغط فى الوقت المناسب، وهذه السياسة لا تقتصر على جماعة الإخوان المسلمين، بل تشمل أى معارضة يمكن توظيفها تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية.. ويكمل مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق موضحًا أن تاريخ بريطانيا مليء بالتناقضات السياسية، مستشهدًا بأمثلة مثل كذب رئيس الوزراء البريطانى فى البرلمان بشأن عدم وجود اتفاق مع إسرائيل فى عدوان 1956على مصر.