فى حياة كل إنسان لحظة فارقة، لحظة للتأمل، لحظة يتوقف فيها الإنسان مع نفسه ليحاسبها.. وفى هذه اللحظة التى تأتى غالبًا عند الشعور بانهيار داخلى لا يراه أحد.. يسأل الإنسان نفسه هل كنت على صواب؟ هل خدعت؟ هل قصرت؟ وقد يسأل نفسه سؤالًا هو فى جوهره رجاء، وفى مظهره يأس، هل ينصفنى القدر يومًا؟ هذا السؤال يطرحه الذين حملوا قلوبهم على أكفهم، ومضوا فى طريق ممهد بالأشواك، الذين لم يقبلوا أن يبيعوا ضمائرهم، ولم يفتنوا بالبريق الخداع، ولا طأطأوا رءوسهم فى حضرة الجهل أو الطغيان.. الذين صمدوا وقاتلوا وتحملوا الألم فى صمت.. يطرحونه حين يشعرون أن العدالة بعيدة، وأن الزمن قد خانهم.. هو سؤال من تعبوا وعملوا فى صمت دون ضجيج، من وقفوا فى الصفوف الخلفية بينما احتل المشهد من لم يستحق، من أحبوا فى صمت، وظلوا يأملون بصوت لا يسمعه أحد.. ولعل ما يؤلم فى هذا السؤال، هو الإحساس المرير بأننا نعيش فى عالم قل فيه الإنصاف، وساد فيه العبث، ترى المنافقين فى المقدمة والصادقين يطويهم النسيان. عموما الإنصاف قد يتأخر لكنه لا يموت، فهو لا يطلب فقط من القدر، بل يصنع بالاستمرار فى العمل والجد والاجتهاد، يصنع بالصبر والوعى والإيمان بأن من سار على الدرب وصل وإن تأخر، فمن ينكر فضلك ويشكك فيك اليوم قد يقسم باسمك لاحقًا، حين تصفو الرؤية وتنقشع الغمامة.. وإنصاف القدر قد لا يأتى فى الحياة بل ربما يولد بعد الموت. القدر وإن طال سهوه لا ينسى.. والحق سوف ينتصر ولو بعد حين.. وإن ما تغرسه فى صمت قد يثمر بعد رحيلك. القدر ليس أمرًا غيبيًا فقط، بل هو سياق مجموعة من القرارات، وتفاعل بين الإرادة وما يفرض على الإنسان من الخارج.