شهد الشهر الماضي إشادات دولية متعددة بتحسن أداء الاقتصاد المصري مقارنةً بمستوياته السابقة وذلك وفق تقارير دولية حديثة صادرة من مؤسسات عالمية والتي أشادت بقدرة الاقتصاد المصري على إمتصاص الصدمات وتحقيق إستقرار نسبي ونمو مستدام رغم وطأة الاضطرابات الجيوسياسية والتقلبات النقدية واستمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على مدار الأعوام الماضية. ومن أبرز الجهات التي أشادت بالمؤشرات الإيجابية للإقتصاد المصري (معهد التمويل الدولي ومؤسسة اكسفورد ايكونوميكس) فقد استطاع الاقتصاد المصري الصمود أمام التوترات العالمية والإقليمية بما فيها التصعيد في منطقة الشرق الأوسط وآثارها السلبية المباشرة على التدفقات الدولارية بإنخفاض عائدات قناة السويس وحركة الملاحة والتجارة عبر البحر الأحمر إلا أن ذلك لم يؤثر على تدفقات المحافظ الإستثمارية بشكل كبير خاصة مع إستفادة السوق المصري من تراجع الدولار الأمريكي الذي فقد أكثر من 9% من قيمتة منذ بداية العالم الحالي وهي أكبر خسارة نصف سنوية منذ عام 1973 وتشير التقديرات إلى أن انخفاض الدولار بنسبة 1% ينعكس بزيادة قدرها 0.3% في معدلات نمو الأسواق الناشئة، إلى جانب تحفيز حركة التجارة العالمية ورفع وتيرتها وهو ما أدي إلي تحسن الكثير من مؤشرات الإقتصاد المصري خاصة في المعاملات التجارية الدولية والإستثمارات الخارجية وهو ما انعكس بشكل إيجابي من خلال تراجع علاوة المخاطر على السندات السيادية المصرية خلال السنوات الخمسة الأخيرة ويؤكد على تزايد ثقة المستثمرين في قدرة الدولة على الوفاء بإلتزاماتها المالية كما أن الدولار يمنح الإقتصاد متنفساً مالياً مهماً خاصة فيما يتعلق بالديون الخارجية المقاومة بالعمله الأمريكية. وأيضاً أدي وقف الشهادات المصرفية ذات العائد المرتفع إلي ضخ سيولة كبيرة في السوق تبحث الآن عن قنوات استثمارية آمنة حيث تُعد الطروحات الحكومية فرصة واعدة في هذا الشأن وهو ما يمكن أن يُسهم في تعزيز ثقة المستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء. وفي تطور لافت يعزز مناخ التفاؤل الاقتصادي، أعلن البنك المركزي المصري مؤخرًا عن خفض سعر الفائدة بنسبة 2%، في خطوة تهدف إلى تحفيز النشاط الاستثماري ودعم النمو الاقتصادي. ويُتوقع أن يُسهم هذا القرار في تقليل تكلفة الاقتراض، وتشجيع القطاع الخاص على التوسع، إلى جانب تعزيز جاذبية السوق المصري أمام المستثمرين المحليين والأجانب. كما يُعد هذا الخفض إشارة إيجابية على تحسن مؤشرات التضخم واستقرار السياسات النقدية، مما يعكس ثقة متزايدة في قدرة الاقتصاد على مواصلة مسار التعافي. فتسريع وتيرة الطروحات الحكومية سوف يعزز مناخ التنافسية ويدعم الموازنة العامة للدولة ويبعث برسالة إلى المجتمع الدولي بأن الحكومة جادة في خفض دور الدولة الإقتصادي لصالح القطاع الخاص وهو ما يشكل محورًا أساسيًا في أي نموذج إصلاحي مستدام. فهذا المناخ الدولي اليوم والذي يبدو أكثر دعمًا من أي وقت مضى للأسواق الناشئة خاصة مع تراجع الدولار وتراجع حدة التشديد النقدي عالميًا وتستطيع مصر الإستفادة من هذه اللحظة عبر تسريع الإصلاحات خصوصًا في مجالات دعم الطاقة وتحرير السوق وتعزيز الإنتاج المحلي في قطاعات حيوية كالصناعة والزراعة والسياحة. فالإقتصاد المصري يعيش حالياً لحظة دقيقة تختلط فيها إشارات الثقة الخارجية بتحديات الداخل الملحة فرغم الإشادة الدولية بمرونة الإقتصاد وقدرته على الصمود فإن هذه الإشادة تظل غير مكتملة ما لم يتم استثمارها بشكل صحيح خاصة مع تزايد ثقة المصريين بالخارج في الإقتصاد المصري مما أدي إلي ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج بنسبة تتجاوز ال 69% عن نفس الفترة من العام الماضي لتصل إلي 32.8 مليار دولار في الفترة من يوليو إلي مايو 2025 فمع الاستثمار الجيد لهذه الأوضاع المواتية عالمياً واقليمياً يمكن أن تصل إلي مراحل تحسين الحياة اليومية للمواطنين وتحويل " مرونة " الإقتصاد إلى " نمو مستدام" وتحويل " التفاؤل الدولي" إلى واقع اقتصادي يُقرأ في المؤشرات ويُدرك في حياة المواطنين واقعاً وعملاً.