عادت أوروبا لاستخدام أقوى أوراق الضغط ضد إيران، بعد سنوات من مفاوضات شاقة لم تحقق أي اختراق، حيث أعلنت الأطراف الأوروبية الثلاثة في الاتفاق النووي لعام 2015، فرنساوألمانيا وبريطانيا، رسميًا تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض عقوبات الأممالمتحدة المجمّدة على طهران، في خطوة وصفت بأنها شبه نهائية ولا رجعة فيها. فيما توضح هذه التطورات، نفاد صبر الغرب من "مماطلة" إيران وتجاهلها لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسط مخاوف من أن يتحول الملف النووي إلى تهديد مباشر للأمن الدولي. اقرأ أيضًا| المُعادلة الصعبة| ماذا لو عادت طهران لتشغيل مواقع تخصيب اليورانيوم؟| «مُحلل أمريكي يُجيب» أوروبا تُفعّل «سناب باك».. ماذا يعني؟ أعلنت ألمانياوفرنسا وبريطانيا (المعروفة بمجموعة E3) أنها استخدمت رسميًا حقها في إعادة العقوبات الأممية المعلّقة على إيران. وفي ذات السياق، قال وزراء خارجية الدول الثلاث إن "عدم التزام إيران بالاتفاق النووي واضح ومتعمّد"، مشيرين إلى أن مواقع حساسة داخل إيران لا تخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يجعل البرنامج النووي الإيراني "تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الدوليين"، وفقًا لما أفادت به مجلة فورين بوليسي الأمريكية. خلفية الاتفاق وتداعيات الانسحاب الأمريكي الاتفاق النووي (JCPOA) الذي تم توقيعه عام 2015 كان يهدف لتقييد قدرات إيران النووية، لكن انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 فجّر التوازن الهش، ومنذ ذلك الحين، تسارعت خطوات إيران في تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة الطرد المركزي، فيما فشلت جولات التفاوض المتكررة في إعادتها إلى الالتزام الكامل. بينما يرى الأوروبيون، الذين ظلوا يتمسكون بالاتفاق رغم الانسحاب الأمريكي، اليوم أن صبرهم قد نفد. العقوبات الأممية تعود للواجهة التفعيل الأوروبي يعني إعادة فرض 6 قرارات صادرة عن مجلس الأمن بين 2006 و2010، أبرزها تلك التي قيدت قدرة إيران على استيراد تقنيات حساسة، ومنعت تزويدها بالأسلحة التقليدية، وفرضت قيودًا على سفر مسؤولين عسكريين. ورغم أن العقوبات الأوروبية ليست بنفس قوة العقوبات الأمريكية المنفردة، إلا أن خبراء مثل علي فايز من مجموعة الأزمات الدولية يؤكدون أن تأثيرها سيكون ملموسًا على الأسواق والبنوك والشركات، التي ستتعامل مع إيران ك"دولة منبوذة"، بحسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. واشنطن تدعم الخطوة الأوروبية أشاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بالقرار الأوروبي، مُؤكدًا أن الولاياتالمتحدة ستعمل مع حلفائها لإتمام عملية "سناب باك"، لكنه شدد أيضًا على أن واشنطن ما زالت منفتحة على الدبلوماسية، رغم استمرار إيران في التصعيد. لكن المباحثات التي عُقدت في جنيف خلال الأسبوع الجاري انتهت دون أي تقدم، حيث قدم الأوروبيون عرضًا بتمديد 6 أشهر مقابل السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومراقبة 400 كجم من اليورانيوم عالي التخصيب الذي بحوزة إيران، لكن طهران رفضت العرض وامتنعت عن تقديم مقترحات بديلة. وهذا الرفض، وفق خبراء، كان بمثابة "اللعبة الأخيرة" التي أجبرت الأوروبيين على الضغط بالملف الأممي. مهلة 30 يومًا أخيرة وما زاد الأمر تعقيدًَا، الصيف الماضي شهد غارات إسرائيلية وأمريكية استهدفت منشآت نووية داخل إيران، ما تسبب في تراجع البرنامج النووي عدة أشهر وربما سنوات، لكن هذه الضربات قلّصت استعداد طهران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودفعتها لتشديد موقفها في المفاوضات. أما الإجراء الأممي، فهو يمنح الأطراف 30 يومًا فقط قبل دخول العقوبات حيّز التنفيذ بشكل كامل، إذ لا يمكن إيقاف "سناب باك" إلا بتوافق مجلس الأمن، وهو ما يستحيل عمليًا لأن الدول الغربية تملك حق النقض ضد أي محاولة لعرقلة القرار، بينما أعلن الأوروبيون، أنهم سيستغلون تلك المهلة لمواصلة الضغط الدبلوماسي، لكن فرص النجاح تبدو ضئيلة. اقرأ أيضًا| أوروبا تُلوّح بالحوار النووي مع إيران.. فما هي فرص النجاح؟ التداعيات الاقتصادية والسياسية وفقًا لمجلة «فورين بوليسي»، فإن عودة العقوبات على إيران قد تعرقل صادرات النفط الإيرانية بشكل أكبر، وتحد من تعاملات البنوك والشركات العالمية مع طهران، كما تسمح القرارات الأممية للدول باعتراض السفن الإيرانية في البحر، ما يزيد من صعوبة الالتفاف على العقوبات. أما سياسيًا، قد يضعف ذلك موقع إيران أمام روسيا والصين، رغم أنهما قد تحاولان تعطيل تنفيذ العقوبات عبر وسائل التفاف. إيران بين التصعيد والتهدئة رغم التهديدات السابقة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، تبدو إيران الآن أكثر ميلًا لخطوات أقل حدة، مثل تقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يحدث فعليًا منذ يونيو الماضي، وهذا الموقف قد يكون محاولة من طهران للحفاظ على دعم موسكو وبكين، رغم أن تأثيرهما محدود أمام قرارات الأممالمتحدة. وبعد مرور عقد على الاتفاق النووي الأصلي.. وسبع سنوات على انسحاب واشنطن منه، تبدو جهود احتواء البرنامج النووي الإيراني وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، وبحسب تحليلات الخبراء، فالنتيجة ستكون "سيناريو خاسر للجميع"، «إيران ستخسر تخفيف العقوبات، وأوروبا وأمريكا تخسران أدوات الرقابة، والمجتمع الدولي يواجه تهديدًا نوويًا أكبر وأكبر». اقرأ أيضًا| فيديو| أجهزة الطرد المركزي.. كيف تُفكك وماذا بعد التدمير؟