هذه الثقة المتزايدة من أقوى جيوش العالم لم تظهر بين عشية وضحاها بل هى نتاج رحلة طويلة من التطوير والاستثمار فى العنصر البشرى والتقني. انطلقت رسميا يوم الخميس الماضى فعاليات المناورة العسكرية متعددة الجنسيات «النجم الساطع 2025» فى نسختها ال 19 بقاعدة محمد نجيب العسكرية.. المناورة هى الأضخم والأكبر فى إفريقيا والشرق الأوسط.. كل الدول تتزاحم على المشاركة والتواجد فى هذا الحدث العسكرى الاستثنائي.. مصر والولاياتالمتحدة تقودان التدريب منذ أن بدأ عام 1980 وكان يحمل وقتها اسم القبضة الحديدية.. ما يقارب من ربع دول العالم سجلوا حضورهم.. 8 آلاف ضابط وجندى من 43 دولة من مختلف أنحاء العالم.. 10 دول إضافية عن العام الماضى شاركوا بقواتهم فى النسخة الجديدة.. الجميع تواجدوا داخل واحدة من أكبر القواعد العسكرية المصرية والعربية وجلبوا معهم أمهر قادتهم وجنودهم وأحدث أسلحتهم ومعداتهم .. المعروف أن المناورات المشتركة تكون لاستعراض أحدث القطع العسكرية.. أحدث خطط الحروب الحديثة.. أحدث وسائل الهجوم والدفاع وأساليب مواجهة الهجمات السيبرانية واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعى ومواجهة الطائرات بدون طيار وتحديث خطط التعاون المشترك لمواجهة الكوارث والأزمات الإنسانية. كل ذلك كان بمثابة إعلان فى وسط ميدان كوكب الأرض أن مصر دولة قوية تسعى دول العالم للتعاون العسكرى والسياسى معها.. معظم الجيوش الكبرى كانت حاضرة رغم انشغال العالم بالصراع الروسى الأوكرانى والتخوف الشديد من امتداد الصراع داخل القارة العجوز. يشارك فى المناورة بقوات مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة وإيطاليا والهند والسعودية وقطر والأردن وقيرغستان وجنوب إفريقيا واليمن والعراق وقبرص واليونان بالإضافة إلى قوات من حلف الناتو واللجنة الدولية للصليب الأحمر و29 دولة بصفة مراقب... إن القدرة على جمع هذا العدد الكبير من القوات لجيوش كبرى معا عبر مختلف المناطق والحدود تؤكد على قدرات قواتنا المسلحة ومتانة العلاقات التى تم بناؤها على مدى عقود والثقة التى يضعها شركاؤنا فى العمل الوثيق مع القوات المسلحة المصرية لتلبية المتطلبات الأمنية المعقدة بالمنطقة. القيادة المركزية الأمريكية أعلنت أن «النجم الساطع» التى تشارك فيها تشكل تجسيدا واضحا على التزام الولاياتالمتحدة الثابت والدائم بالشراكة مع القوات المسلحة المصرية ودول أخرى لضمان الأمن والسلامة المشتركة ولها أهمية كبرى لتعزيز قدرات الدفاع الجماعي. هذه الثقة المتزايدة من أقوى جيوش العالم لم تظهر بين عشية وضحاها بل هى نتاج رحلة طويلة من التطوير والاستثمار فى العنصر البشرى والتقني. فالجيش المصرى ومن خلال تجربته الميدانية الغنية فى حروب مختلفة ومواجهة الإرهاب فى سيناء ومناطق أخرى لم يعد مجرد جيش تقليدى بل تحول إلى مؤسسة أمنية شاملة تمتلك قدرات هجينة تجمع بين المهارات القتالية المتقدمة وأدوات مكافحة الحروب غير النظامية. النجم الساطع 2025 ليس مجرد عرض للقوة العسكرية، بل هو منصة لتبادل المعرفة على أعلى المستويات. الجنود والضباط المشاركون لا يتدربون فقط على إطلاق الأسلحة بل يتبادلون التكتيكات والخبرات المكتسبة فى ساحات قتال حقيقية ومختلفة من الصحارى إلى المناطق الجبلية والثلجية مما يخلق لغة عسكرية مشتركة وفهماً أعمق للتهديدات المتطورة. هذا التكامل هو ما يعزز الردع الجماعى ويجعل من هذه التحالفات التدريبية درعاً أمنياً استباقيا. كذلك فإن مشاركة منظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر تضيف بُعداً إنسانياً وقانونياً حاسماً للتدريبات، تؤكد على التزام هذه القوات بالقانون الدولى الإنسانى حتى فى ساحة الحرب الافتراضية وهو ما يعكس نضجاً فى الفلسفة العسكرية الشاملة التى لا تفصل بين تحقيق النصر واحترام حقوق الإنسان. الرسالة إذن واضحة وقوية.. مصر، بقيادتها ودبلوماسيتها النشطة وقواتها المسلحة المدربة، قد أصبحت ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمى والعالمى وشريكاً لا غنى عنه فى مواجهة أعقد التحديات الأمنية المعاصرة. مناورات «النجم الساطع» تثبت أن السلام لا يمنح بل يبنى من خلال الاستعداد والقوة والتعاون الوثيق وأن القبضة الحديدية لم تضعف بل ازدادت قوة ومرونة لتكون قادرة على حماية الأمن القومى المصرى والمصالح الحيوية لشركاء السلام أجمع.