بات المشهد معقد أمام حركة حماس، التي تواجه خطر الانهيار والتفكيك، في ظل المواجهات أمام جيش الاحتلال، منذ تنفيذ عمليتها في السابع من أكتوبر، والتي قد تكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الحركة، إذ اتخذت الحكومة الإسرائيلية، قرارًا في مضمونه القضاء على حكم حماس في غزة، بل المضي قدمًا في محو كيان الحركة نهائيًا، وهو ما تدركه حماس، التي تتبنى خطاب تحاول من خلاله استغلال مأساة غزة، الحشد الدولي لوقف إطلاق النار، ومن ثم تعيد الحركة تموضعها مرة أخرى في ساحة القتال. ◄ صراع على الشرعية الحديث عن انهيار أهم معاقل حركة حماس، يطرح تساؤلات عميقة تتجاوز مجرد خسارة جغرافية أو انسحاب تكتيكي في ساحة القتال. المعقل بالنسبة للحركة ليس فقط مساحة جغرافية، بل رمز للسيطرة والقدرة على إدارة الحكم وإظهار القوة أمام كل مناصريها وخصومها. ومن ثم، فإن تفكيك هذا المعقل سيُقرأ على نطاق واسع باعتباره مؤشراً على بداية النهاية لسلطة الحركة في قطاع غزة، وهو ما يحمل انعكاسات استراتيجية على مستقبلها السياسي والعسكري معاً. السياق الراهن يشير إلى أن السيطرة الميدانية على غزة، لم تعد مجرد معركة عسكرية، بل تحولت إلى صراع على الشرعية والبقاء، وفي ظل القصف المستمر والضغط العسكري، ومع تآكل البنية التحتية المدنية والإنسانية، يجد سكان مدينة غزة أنفسهم أمام خيارين: إما البقاء في مواجهة خطر الموت اليومي تحت وطأة الحرب والحصار، أو النزوح جنوباً حيث تشير المعطيات إلى توفر الغذاء والإمدادات الإنسانية بشكل أكبر. هذه المعادلة تضاعف الضغوط على الحركة، إذ يظهر المشهد كأنها تفقد قدرتها على حماية المدنيين وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، وهو ما قد يسرّع في تفكك صورتها كسلطة قادرة على الصمود. ◄ فقدان معقل السيطرة أبعاد هذا الانهيار لا تقل أهمية عن أبعاده الميدانية، إذ يُنظر إلى فقدان السيطرة على أهم معقل للحركة باعتباره كسراً لصورة "الحصن الأخير"، وهو ما يضعف معنويات مقاتليها وأنصارها، ويعزز رواية خصومها بأنها لم تعد تمثل قوة قادرة على قيادة المشروع الفلسطيني المقاوم. هذا التفكك قد لا يعني نهاية تامة لوجودها العسكري، لكنه بالتأكيد ينذر بتآكل بنيتها السياسية والاجتماعية، ويدفعها نحو مزيد من العزلة الداخلية والإقليمية. في المقابل، التحولات الإنسانية المرافقة لهذا المشهد تشكل بُعداً موازياً لا يمكن إغفاله. فالدعوة الموجهة إلى سكان غزة بضرورة النزوح جنوباً تُظهر أن معادلة الصراع تجاوزت حدود المعركة العسكرية إلى معركة البقاء الإنساني. وجود مواد غذائية وإمدادات في الجنوب يمنح النازحين قدراً من الأمن، لكنه يكرس في الوقت ذاته واقع التهجير القسري الذي سيترك جروحاً عميقة في الذاكرة الفلسطينية، ويُضاف إلى سلسلة المآسي التي خلفتها الحروب المتعاقبة على القطاع. ◄ إعادة موازين القوى مصير من بقي في المدينة يواجه مصيراً مجهولاً، إذ يقال إنهم باتوا في "أيدي حماس"، لكن في الحقيقة هم في قلب معركة تحدد مستقبل الحركة نفسها، فإذا ما فقدت القدرة على حمايتهم أو تلبية احتياجاتهم، فإن مشروعها السياسي برمته سيتعرض للانهيار، وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل ما يجري يمثل مجرد مرحلة عسكرية عابرة في مسار الصراع، أم أنه بداية لتحول جذري في الخريطة السياسية الفلسطينية والإقليمية؟ في ضوء هذه التطورات، يمكن القول إن سقوط أهم معقل لحماس ليس حدثاً عابراً، بل محطة فاصلة قد تعيد تشكيل موازين القوى في غزة والمنطقة، وهو مؤشر على ضعف يراه خصومها نصراً، لكنه أيضاً قد يُستثمر من الحركة نفسها لتغيير تكتيكاتها أو إعادة تعريف حضورها. في النهاية، ما يحدث ليس مجرد تفكيك لمعقل، بل تفكيك لرمزية، قد يحمل معه نتائج بعيدة المدى على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وعلى مستقبل غزة ككل.