باتت فرنسا أمام مرحلة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، غداة تحذير رئيس الوزراء فرنسوا بايرو من خطر المديونية المفرطة، وطلبه تصويتا على الثقة من الجمعية الوطنية، قد يطيح بحكومته الشهر المقبل. وفاجأ رئيس الوزراء الفرنسي الذي يواجه صعوبات، البلاد بإعلانه أنه طلب من الرئيس إيمانويل ماكرون عقد جلسة استثنائية للبرلمان في 8 سبتمبر. ويحتاج بايرو إلى دعم برلماني لفرض إجراءات تقشف من شأنها خفض الدين العام، لكن أحزاب المعارضة الرئيسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أعلنت رفضها خطة رئيس الوزراء. وجاء الإعلان في وقت تصاعدت الدعوات لإضراب عام في 10 سبتمبر احتجاجا على مقترح بايرو إجراء اقتطاعات في الميزانية. وفي تصريحات أدلى بها، حضّ بايرو القوى السياسية في فرنسا على التفكير المتروي، مشيرا إلى أن أمامها 13 يوما "لتحديد إن كانت تقف في صف الفوضى أو المسؤولية". وتساءل "هل هناك حالة طوارئ وطنية أم لا لإعادة توازن الحسابات، والنجاة من الديون المفرطة عبر اختيار خفض العجز لدينا وزيادة الإنتاج؟.. هذا هو السؤال الرئيسي". وأما زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي امتنع حزبها "التجمع الوطني" عن التصويت في جلسات سابقة لحجب الثقة عن بايرو، فأكدت هذه المرة بأنها تؤيد حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة. من جانبه، أشار جان لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي والذي سبق وأطلق محاولات فاشلة لإطاحة بايرو، إلى أن على ماكرون أن يستقيل إذا خسر بايرو البالغ 74 عاما، الثقة خلال التصويت. وقال ميلانشون لإذاعة "فرانس إنتر" الثلاثاء إن "ماكرون هو الفوضى"، مضيفا أنه سيتقدم بمقترح لحجب الثقة عن رئيس الدولة في البرلمان.. وأضاف في إشارة إلى ماكرون "يجب أن يرحل". تزداد حدة المنافسة في الساحة السياسية الفرنسية قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 2027 عندما تنتهي ولاية ماكرون الثانية. واجه الرئيس الفرنسي البالغ 47 عاما دعوات متكررة للاستقالة منذ حل البرلمان العام الماضي بعد تحقيق اليمين المتطرف مكاسب في الانتخابات الأوروبية، ما أدخل البلاد في أزمة. لكنه أكد أنه سيبقى في منصبه حتى نهاية ولايته، وقال أيضا إنه يريد تجنب حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة مرة أخرى. وفي حال خسر بايرو التصويت على الثقة، سيضطر ماكرون للبحث عن رئيس وزراء سيكون السابع في عهده، ما سيرخي بظلاله على العامين المتبقيين من ولايته الرئاسية. أزمة مالية أُقيل ميشال بارنييه، سلف بايرو، بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه منصبه. ففي ديسمبر، تحالف حزب التجمع الوطني مع تكتل اليسار لإسقاط حكومته بسبب ميزانية 2026. وبعد الإفراط في الإنفاق على مدى سنوات، يتعين على فرنسا السيطرة على عجزها العام وخفض ديونها المتراكمة، وفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي. ويريد بايرو توفير حوالى 44 مليار يورو (51 مليار دولار) من خلال إجراءات تشمل خفض أيام العطل وتجميد الزيادة في الإنفاق. وفي منتصف يوليو قدّم بايرو مقترحات ميزانية العام 2026 لكنها لم تحظَ بقبول. ودعا وزراء الثلاثاء إلى حل وسط، لكن آخرين قالوا أيضا إن جميع الخيارات مطروحة. وتعهد وزير الاقتصاد إريك لومبار "الكفاح" لضمان نجاة الحكومة من التصويت على الثقة 8 سبتمبر. وقال "مسؤوليتنا هي التوصل إلى اتفاق لأن البلاد بحاجة إلى ميزانية". وصرح وزير الداخلية برونو ريتايو إن إسقاط الحكومة سيضرّ بمصالح فرنسا، وحذّر من خطر حدوث أزمة مالية. وقال ريتايو، زعيم حزب الجمهوريين المحافظ "سيكون من غير المسؤول إغراق البلاد في أزمة مالية كبرى، ستؤثر تداعياتها أولا على أكثر الفئات ضعفا". انتحار مالي وانعكست الأزمة السياسية في بورصة باريس الثلاثاء إذ انخفض مؤشر كاك 40 للأسهم الفرنسية الرائدة بحوالى 2% في التعاملات الصباحية. كذلك، انخفضت أسهم البنوك الفرنسية، فيما ارتفع عائد السندات السيادية الفرنسية لأجل 10 سنوات، في مؤشر على تراجع ثقة المستثمرين في ديون فرنسا. ويقول محللون إن ديون فرنسا، البالغة 114% من الناتج المحلي الإجمالي، تشكل تهديدا للاستقرار المالي للبلاد. وقال مدير فرع أوروبا في شركة تحليل المخاطر أوراسيا غروب مجتبى رحمن، إن رئيس الوزراء سيُقال على الأرجح. وأضاف في تصريحات لوكالة فرانس برس أن بايرو "سعى إلى إحداث صدمة لدى الرأي العام والنظام السياسي الفرنسي لمواجهة خطورة أزمة ديون البلاد، لكنه ربما لم يغير سوى موعد نهايته". ورأى مدير الأبحاث في معهد إبسوس الفرنسي ماتيو غالار أن بايرو اختار عمدا تحميل نفسه المسؤولية بطلبه طرح الثقة في برلمان منقسم بشدة. قال "هذا أشبه بانتحار".