جاء اغتيال الصحفيين أنس الشريف ومحمد قريقع، الأحد الماضي، ليضيف إلى سجل الشهداء اسمين جديدين من فرسان الإعلام، ويضيف إلى سجل الوحشية الإسرائيلية جريمة أخرى في تاريخها الدموي. باستهداف الطائرات الإسرائيلية خيمةً كان يتواجد فيها الصحفيان الشريف وقريقع، واغتيالهما مع عدد من زملائهما، يقترب عدد الشهداء من الإعلاميين والصحفيين في غزة من 240 شهيدًا منذ بداية العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع. كل صحفي ومصور ومراسل في غزة يعرف أنه "شهيد قادم"، ومع ذلك يواصلون كشف الحقيقة، ويستمرون في عملهم تحت القصف ووسط لهيب النيران، حتى يعرف العالم الجريمة الوحشية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، على الهواء مباشرة وعلى مدار الساعة. ينتقل الصحفيون في القطاع المنكوب من مجزرة إلى أخرى، يقرصهم الجوع، وتتمزق قلوبهم لفراق أحبائهم، وتسيل دموعهم دمًا وهم يوثقون جريمة الإبادة. ومع ذلك، فقد أقسموا على الاستمرار في عملهم، ولو كانت الشهادة هي آخر الطريق. تحدثنا إلى عدد من الصحفيين والإعلاميين الأبطال عن ظروف عملهم وسط الموت الذي يطاردهم، وعن زملائهم الذين فقدوهم منذ بداية الحرب وحتى اليوم، وعن رؤيتهم لما يتهددهم يوميًا. وبرغم الحزن على الشهداء، ورغم الجوع والموت الذي يواجههم في كل مهمة، أكدوا إصرارهم على مواصلة عملهم ورسالتهم، وإكمال طريق زملائهم الشهداء حتى النهاية. يقول الصحفي الغزّي فايز قريقع: "أتحدث اليوم وأنا في أسوأ حالاتي، فلم تمر علينا في هذه الحرب لحظات أشد قسوة من لحظة فقد الزملاء والأحباب. فقدنا قامة إعلامية عظيمة هي أنس الشريف، والإعلامي الكبير محمد قريقع، إضافة إلى زملاء آخرين من فريق قناة الجزيرة". ويضيف: "حين دخلنا ثلاجة الموتى وجدنا الشهيد محمد قريقع وأنس الشريف وقد تحولا إلى أشلاء. لم أكن أتوقع أنني ذاهب لرؤية اثنين من الزملاء، لكنني وجدت خمسة شهداء من زملائنا، إضافة إلى شهيد سادس من فريق آخر، لتكون الحصيلة ستة شهداء من الإعلاميين". وعن علاقته بمحمد قريقع، قال: "هو ابن عمي وصديقي وزميلي في المهنة، تربطنا علاقة قوية مهنيًا وإنسانيًا. كنا نتبادل الأحاديث يوميًا، ومع أنس الشريف كذلك، كنت أحذّره دائمًا أن ينتبه لنفسه. لكننا جميعًا كنا نعلم أن أنس كان مصرًا على إيصال الحقيقة للعالم، رغم بعده عن عائلته وأبنائه، ورغم الخطر الداهم". واختتم: "قوات الاحتلال قتلت زملاءنا في خيمتهم لأنهم نقلوا الحقيقة وأوجعوها. يظنون أنهم قادرون على إسكات صوت غزة، لكننا سنواصل حتى آخر صحفي في القطاع". يقول الصحفي عبد الهادي فرحات، مراسل قناة "اليمن اليوم": "الجريمة الإسرائيلية الأخيرة أسفرت عن استشهاد ستة من الصحفيين، بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع، إضافة إلى زميلنا محمد الخال الذي ارتقى متأثرًا بإصابته بعد ساعات من الاستهداف". ويضيف: "الاحتلال الإسرائيلي يعرف جيدًا دور الصحفيين في غزة في فضح جرائمه ونقل معاناة الناس للعالم. لذلك يعتمد سياسة اغتيال الصحفيين لطمس الصورة الحقيقية. الشهيد أنس الشريف كان قد تلقى العديد من التهديدات المباشرة منذ بداية الحرب، وكتب في وصيته أنه إذا استشهد، فهذا يعني أن الاحتلال نجح في اغتياله". ويؤكد: "اغتيال الزملاء لن يزيدنا إلا إصرارًا على مواصلة رسالتنا الإعلامية. حتى الآن سقط 238 صحفيًا شهيدًا، ومن واجبنا أن نكمل الرسالة ونوثّق الجرائم حتى تتحقق العدالة لقضيتنا". اقرأ أيضا: «التعاون الإسلامي» تُدين اغتيال صحفيين في غزة وتطالب بمحاسبة الجناة يقول محمود أبو سلامة، مراسل قناة "الغد": "من المؤلم أن أرى صديق الدرب والعمل الصحفي يُغتال على أيدي الاحتلال الغادر. عشت مع أنس الشريف لحظات العمل الصعبة منذ اندلاع الحرب، وواجهنا الأخطار معًا من أجل نقل الحقيقة". ويضيف: "أنس لم يكن مجرد صحفي، بل كان جبلًا من جبال الصمود في غزة. اغتياله مع محمد قريقع وبقية الزملاء لن يمنعنا من الاستمرار في تغطية الأحداث وكشف جرائم الاحتلال". تقول الإعلامية الغزّية دعاء روقة: "اغتيال الاحتلال لمجموعة من الصحفيين أثناء أداء عملهم جريمة بشعة لن تُمحى من الذاكرة. نحن أكثر إصرارًا على الاستمرار في نقل الحقيقة وفضح الصورة المزيفة التي يحاول الاحتلال ترويجها". وتضيف: "كل عمليات استهداف الصحفيين ليست إلا محاولات يائسة من الاحتلال لإخفاء جرائمه، لكن الصحفيين نجحوا في كشفها على مدار أكثر من عشرين شهرًا. نعمل وسط أجواء من الهلاك والإنهاك، ونكاد لا نجد إلا وجبة واحدة في اليوم، ومع ذلك نواصل الحضور أمام الكاميرا ونقل الرسالة للعالم". يقول الصحفي سليمان حجي: "هذه الجريمة النكراء التي راح ضحيتها عدد من الصحفيين هي دافع لنا لمواصلة المشوار ونقل الحقيقة. الاحتلال يستهدف الجميع بلا استثناء، بأسلحته وجرائمه المستمرة". يقول الصحفي عبود السيد: "أصبح اغتيال الصحفيين أمرًا عاديًا في الفترة الأخيرة. نموت ولا توجد أي جهة قادرة على محاسبة إسرائيل، وكل ما نراه بيانات تنديد لا تغيّر شيئًا. أخشى أن أُقتل ولا يسمع عني أحد، أو أن أصبح خبرًا لساعتين ثم أنسى". ويتساءل: "لماذا لا نحظى بحماية دولية مثل الصحفيين الأجانب؟ هل حياتهم أغلى من حياتنا؟ أم أن دمنا بلا قيمة؟".