وسط زحام المحتوى الرديء، وضوضاء الأعمال التليفزيونية المستهلكة، ظهر مسلسل «كتالوج» كنسمة دافئة غير متوقعة، ليتصدر قائمة الأعلى مشاهدة على منصة نتفليكس في مصر والسعودية والدول العربية، ويخطف الأنظار من مسلسلات اعتادت أن تفرض نفسها فقط ب«الزعيق والدعاية». في زمن تتسابق فيه الأعمال الدرامية على تقديم العنف والسطحية كأنها نمط حياة، جاءت منصة «نتفليكس» لتفاجئ الجمهور بمسلسل «كتالوج»، عمل إنساني بامتياز يشبهنا؛ نحزن معه ونضحك، نتنفس فيه تفاصيلنا الصغيرة، ونواجه من خلاله أسئلتنا الكبرى. ورغم كون «نتفليكس» شركة أمريكية، إلا أنها أثبتت أنها تدرك جيدًا خصوصية المجتمعات العربية، وتتعامل مع ثقافتها وتقاليدها بوعي واحترام، وقد تجلى ذلك في أعمال عديدة أنتجتها داخل مصر، منها «ما وراء الطبيعة»، و«البحث عن علا»، و»موعد مع الماضي»، وأخيرًا «كتالوج»، الذي جاء كرسالة حب ناعمة للبيت والأسرة، بكل ما تحمله من مسؤوليات وعاطفة وفقد. ◄ دراما تشبهنا تدور القصة حول «يوسف» (محمد فراج)، الذي يجد نفسه فجأة وحيدًا في مواجهة مسئولية تربية طفليه بعد وفاة زوجته «أمينة» (ريهام عبد الغفور). وبينما تتوالى الصدمات، يكتشف يوسف مقاطع فيديو سجلتها زوجته قبل وفاتها، ك«كتالوج» لحياة الأسرة بعد رحيلها، فيبدأ رحلة إنسانية مؤثرة نحو التعافي، وإعادة بناء العلاقة مع أطفاله. يُقدّم فراج واحدًا من أكثر أدواره نضجًا وصدقًا. بلا استعراض، وبأقل قدر من الكلام، يوصل مشاعر الأب المكسور، الذي يحب بصمت، ويخاف بصمت، ويحاول أن يعيش دون أن ينهار أمام أطفاله. أما ريهام عبد الغفور، فتواصل إثبات أنها من أبرز نجمات الدراما العربية وأكثرهن حساسية ومرونة. ظهورها المحدود في الحلقات لم يمنعها من أن تكون محورًا أساسيًا للمسلسل، ووجهًا يطاردنا بالذكريات. خصوصية أداءها تزداد عندما نعلم أنها صوّرت هذا العمل بعد فترة قصيرة من وفاة والدها الفنان الكبير أشرف عبدالغفور، مما أضفى على مشاهدها صدقًا مؤلمًا، وعمقًا إنسانيًا نادرًا. في واحد من أكثر مشاهد العمل نضجًا، تتحدث «أمينة» إلى زوجها عن فكرة زواجه بعد وفاتها من أجل مصلحة الأسرة. مشهد يلخّص فلسفة المسلسل: أن الحب لا يعني التعلّق، بل الفهم، والتضحية، والسماح للحياة بأن تستمر. ◄ اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4668814/1/%D9%85%D9%86%D9%89-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B1%D8%A3%D9%8A%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D9%84%D9%88" title="منى عبد الوهاب تكشف رأيها في مسلسل "كتالوج" |خاص"منى عبد الوهاب تكشف رأيها في مسلسل "كتالوج" |خاص ◄ بساطة وصدق ما يميز «كتالوج» هو بساطته. لا شعارات كبيرة، ولا حوارات متفذلكة، فقط شخصيات قريبة من القلب، أحداث مألوفة، ومشاعر يمكن لأي مشاهد أن يتورط بها دون أن يدري. إخراج وليد الحلفاوي اختار طريق الصدق البصري والدرامي؛ فكل مشهد فيه يشبه لقطة من حياتنا، وكل زاوية كاميرا تعكس شعورًا قبل أن ترويه. تصدر «كتالوج» للتريند لم يكن ضربة حظ، بل دليلا واضحا على أن الجمهور تغيّر، ولم يعد يقبل ما يُلقى أمامه دون فرز. نجاح العمل يؤكد أن هناك شريحة كبيرة من المشاهدين تبحث عن قصة إنسانية، وتمثيل صادق، ورسائل راقية، لكنها فقط لا تجدها وسط فوضى الإنتاج المحلي. ◄ المشاعر الإنسانية نجح أيمن وتار في تقديم نص مفعم بالمشاعر الإنسانية دون الوقوع في الميلودراما الفارغة. الحبكة كانت بسيطة لكنها عميقة، والحوارات جاءت طبيعية، بل محمّلة برمزية واضحة في كل مشهد بين الأب وأطفاله. الذكاء الحقيقي في السيناريو كان في فكرة «الفيديوهات المسجّلة»، التي استُخدمت كأداة درامية فعالة لنقل العاطفة دون ابتزاز. ◄ اقرأ أيضًا | من «بابا عبده» إلى «كتالوج» .. الدراما تعيد اكتشاف ال«Single Father» ◄ عمل أنيق المخرج وليد الحلفاوي، قدّم عملًا بصريًا أنيقًا دون مبالغة، استخدم الإضاءة الطبيعية والديكور المنزلي بأقل قدر من التكلف ليخلق بيئة واقعية تشبه منازلنا، مع إدارة ذكية للممثلين، خصوصًا الأطفال. المسلسل يضم أيضًا أسماء لامعة مثل: سماح أنور، تارا عماد، صدقي صخر، خالد كمال، بيومي فؤاد، دنيا سامي، والطفلين علي البيلي وريتال عبد العزيز. كلهم شاركوا في صنع هذه الحالة الوجدانية الرفيعة التي لا تُنسى. «كتالوج» ليس مجرد مسلسل، بل رسالة عن الحب، والخسارة، والاستمرار رغم كل شيء. يُعلّمك أن تتصالح مع المرض، مع الغياب، ومع الألم. يُعلّمك أن وجودك، وحده، يكفي.. وأن الذاكرة، في بعض الأحيان، أقوى من الغياب. في المقابل، تعاني معظم شركات الإنتاج المصرية من أزمة حقيقية؛ نصوص هشّة تُكتب في غرف مغلقة لأهداف تسويقية فقط. أبطال متكررون في كل عمل، لا لسبب سوى أن «اسمهم بيبيع». إنتاج مُبهرَج شكليًا، لكنه فارغ مضمونا، وكأنه إعلان طويل مدته 30 حلقة. والأسوأ من ذلك هو تغذية ذوق عام هابط عبر كوميديا سطحية، أو دراما شعبية بلا مضمون، أو تكرار لنفس الصراعات الأسرية المملة. مسلسل كتالوج ليس مجرد دراما أسرية جميلة، بل هو صفعة ناعمة على وجه منتجين اعتادوا أن يستهينوا بعقل المشاهد. ربما حان الوقت ليفهموا أن «التريند الحقيقي» لا يُشترى، بل يُصنع بجودة تحترم من يشاهد.