فى دهاليز السياسة، حيث تُصنع القرارات خلف الأبواب المغلقة، ظهرت مؤخراً قصة من العيار الثقيل، تهدد بإعادة كتابة أحد أكثر الفصول غموضًا فى العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، قصة تتقاطع فيها السياسة بالجنس، والمخابرات بالابتزاز، ويختلط فيها الدبلوماسى بالأخلاقى. سلط الضوء على هذه القصة الصحفى الأمريكى «ريان جريم»، الذى أزاح الستار عن فصل منسى من التاريخ السياسى، تدور أحداثه فى فبراير 1997، داخل جدران المكتب البيضاوى، حين اجتمع الرئيس الأمريكى «بيل كلينتون» برئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» فى لقاء بدا طبيعيًا من الخارج، لكنه كان يحمل فى طياته بذور عملية ابتزاز غير مسبوقة، وبعد أسابيع من ذلك اللقاء، أدلت المتدربة الشابة «مونيكا لوينسكى» بشهادتها فى قضية عرفت آنذاك «بفضيحة العصر»، وقالت فى شهادتها إن كلينتون أبلغها بأن «سفارة أجنبية» تنصتت على مكالماتهما، لكنه لم يذكر اسم الدولة، ولم تكن مونيكا تدرك أنها فى قلب عملية ابتزاز دبلوماسى! التوقيت لم يكن عشوائيًا، حيث كانت إسرائيل تسعى لإطلاق سراح الجاسوس «جوناثان بولارد»، المسجون منذ عام 1987 لنقله وثائق عسكرية أمريكية شديدة السرية إلى تل أبيب، ومع تصاعد مفاوضات السلام بين كلينتون ونتنياهو والرئيس الفلسطينى ياسر عرفات فى منتجع «واى ريفر»، عاد ملف «بولارد» فجأة إلى الطاولة، والغريب أن التحقيقات لم تركز على الطرف المتنصت، فى حين كانت إسرائيل وفق تقارير صحفية لاحقة تلوّح -ولو من تحت الطاولة- بالتسجيلات كنوع من الضغط غير المباشر، لم يكن تهديدا صريحا، لكن مجرد التلميح كان كافيًا. وكاد يفرج عن «بولارد» لولا الضغوط الداخلية الأمريكية. وبعد أكثر من عقدين، عادت القضية إلى السطح، من خلال صحفيين أمريكيين أعادوا النبش فى خيوط تلك المرحلة، وطرحوا فرضية خطيرة، أن إسرائيل وأجهزتها استخدمت علاقات مشبوهة مثل شبكة «جيفرى إبستين» لابتزاز شخصيات أمريكية نافذة، بدءًا من كلينتون، وليس انتهاءً بقادة فى «وول ستريت» ودوائر السياسة، فهل كانت إسرائيل فعلاً وراء التنصت على رئيس أقوى دولة فى العالم؟ وهل استُخدمت علاقته السرية كورقة ضغط دبلوماسى؟ أم أن القصة مجرد فرضية تضخمها المصادفات؟ وإذا صحّت هذه الرواية، فإنها تفتح باباً لمساءلة أخلاقية كبرى: عن الثمن الذى يمكن أن تدفعه الحقيقة عندما تُستخدم المعلومات كسلاح، وتتحول الخصوصية إلى أداة فى لعبة الأمم، فهل نعيش لحظة صدفة.. أم لحظة كشف؟ فى السياسة لا شىء يُترك للصدفة!