الكلمة التى ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الاثنين الماضى حول الأوضاع فى غزة، تعتبر وثيقة سياسية تسجل فى دفتر اللحظات الفاصلة، فهى لا تعنى فقط أن معبر رفح مفتوح أمام المساعدات الإنسانية، بل تعيد تثبيت موقع مصر التاريخى فى قلب القضية الفلسطينية، لا كطرف خارجي، بل كفاعل مركزى فى هندسة التوازن الإقليمي. كلمة تذكر من نسى أو تناسى أن مصر تتكلم من موقع المسئولية لا المزايدة.. وتحمل معانى عميقة بأن الصمت عن معاناة غزة والدم الفلسطينى عار أخلاقى قبل أن يكون إخفاقا سياسيا.. وأن الأمر يتعلق بحدود سياسية يراد أن ترسم على حساب إرادة شعب وذاكرة أمة.. وأن الحصار على غزة ليس اجراء مفروضا عليها وحدها، بل هو اختبار أخلاقى للمجتمع الدولي، وامتحان دائم للضمير العربى. كلمة الرئيس لم تكن مجرد تضامن مع غزة، بل كانت تموضعا محسوبا فى لحظة اقليمية مرتبكة بين عجز دولى وتواطؤ صامت ومأساة تبث على الهواء مباشرة. الكلمة توضح أن الدور المصرى فى القضية الفلسطينية لا يختزل فى بيانات أو معابر، بل هو امتداد طبيعى لدور تاريخي.. وأن مصر لن تصمت أمام الظلم، فالحصار خنق لروح وحياة شعب بأكمله.. وأنه رغم كل الظروف مازالت مصر تنهض بدورها وترفض أن تتحول غزة إلى مجرد جملة هامشية فى خطاب المصالح الدولية.. كما تؤكد على موقف مصر الثابت بأنها لن تسمح بانهيار العمق الفلسطينى ولا تفكيك الجغرافيا السياسية لقطاع غزة، وعكست فهما دقيقا للمشهد الدولي، ففى لحظة تهافت القوى الكبرى على الصمت والتوازن المريب، جاءت مصر لتملأ الفراغ الأخلاقى والسياسي.. فهى رغم القيود والتعقيدات لا تتخلى عن ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية، ورفضها تهجير أهالى غزة وترويعهم وتقدم المساعدات، وتسعى وتتفاوض وتقوم بوساطات وتضغط دون ضجيج من أجل فك الحصار عن غزة، والوصول لحل الدولتين. الكلمة تشير إلى أن مصر لا تساوم على أمنها، ولا تفرط فى دورها وتتحرك بمنطق الدولة العاقلة التى تفهم حقائق الأرض، وتقرأ الأحداث بعيون استراتيجية.. ولا تتعامل مع القضية بوصفها عبئا سياسيا، بل كجزء لا يتجزأ من أمنها القومى ورسالتها التاريخية.. وأنها متمسكة بأن استقرار المنطقة لا يتحقق الا عندما تنال غزة حقها فى الحياة، وأن الحل السياسى هو السبيل الوحيد الذى يحفظ انسانية هذه الأرض المنكوبة.