اليوم تبدأ ثورة 23 يوليو عامها ال 74، وبعد عامين نحتفل بعيدها الماسى، فهل يكون اقترابنا من هذه المناسبة، حافزاً لبدء الكشف عن كامل وثائق الثورة؟ كتابة تاريخ الثورة باعتبارها حدثاً هائلاً، بالغ التأثير وطنياً، وقومياً، بل تعدى ذلك إلى تجاوز الدوائر الإقليمية إلى الخرائط الدولية، وإعادة صياغة المشهد العالمى دون أدنى مبالغة، حدث بهذا الحجم من الأهمية والجسامة لابد أن يتم الإفراج عن وثائقه، حتى لا يظل ما يكتب عنه أسير وثائق غربية بالأساس أو ما يدونه البعض من ذكريات يغلب عليها الطابع الشخصى، وغياب الرؤية الموضوعية فضلاً عن غياب أدوات التأريخ، ولكن هؤلاء يزعمون أنهم يكتبون التاريخ الحقيقى للثورة، لمجرد أنهم شاركوا فى موقع أو منصب لفترة معينة! ليست المرة الأولى التى كتبت فيها مطالباً بإتاحة جميع وثائق الثورة للمؤرخين والباحثين، حرصاً على الذاكرة القومية لمصر ومن واقع ما تم توثيقه مواكباً لمسيرة الثورة، وتطور مساراتها، ومشروعيتها وسياساتها وخطها وخططها، وفكرها وتطبيقاتها، إذ لا يمكن صياغة بناء تاريخى متماسك فى ظل غيبة طالت كثيراً لوثائقها.. ثم إن مراجعة موضوعية وعلمية لتجربة 23 يوليو، وصولاً إلى تقييم مبرأ من الأهواء والنزعات الذاتية يصعب إنجازها دون عكوف المؤرخ على ما يتاح له من وثائق تمكنه من قراءة صحيحة للوقائع والأحداث التى صنعتها الثورة أو واكبتها وأثرت فى صياغة قراراتها وتوجهاتها. ثمة صحوة أحسبها تأخرت طويلاً للوعى الوثائقى تأتى بمثابة دعوة لإعادة نظر جادة وشاملة، فى ثروة وثائقية قد يتهدد بعضها الضياع أو التلف وقد تفرقت بين العديد من الجهات والهيئات وأن يتم جمعها وتصنيفها وتبويبها تحت مسئولية جهة واحدة.. تلك خطوة أساسية تمثل بداية لتصحيح آلية التعامل مع وثائق ثورة يوليو 52 ولعلها تكون نموذجاً ملهماً للتعاطى مع كافة وثائقنا، وما تمثله من أهمية للحفاظ على ذاكرة الأمة. ولعل القضية تصبح أكثر خطورة عند النظر إليها من زاوية ما تتعرض له مصر من محاولات مستميتة لتجريف ثقافتها، وذاكرتها فى القلب منها.. وأخيراً فإنه لا يجوز أن يستمر الاعتماد الرئيسى للمؤرخ المصرى على وثائق أجنبية فيما يتعلق بتاريخنا الوطنى عموماً، وتاريخ ثورة يوليو 52 على وجه الخصوص والأمر قد يتطلب تدخلاً تشريعياً حاسماً لإتاحة الوثائق بعد فترات زمنية طبقاً لمعايير محددة بعيداً عن اجتهادات فرد أو جهة بذريعة أية كانت وجاهتها فى الظاهر!.