في زمن تحكمه "الترندات" وتُشكل ملامحه "اللايكات"، أصبح من السهل أن يتصدر المشهد من لا يملك قيمة أو رسالة، بل يكفيه أن يثير الجدل أو يخالف الأعراف، ليحظى بمتابعة وشهرة وتأثير قد يتفوق على دور الأسرة والمدرسة. وآخر هذه النماذج كانت البلوجر هدير عبد الرازق، التي أُلقي القبض عليها بتهمة نشر معلومات كاذبة والتشهير بطليقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم أن محتواها هذه المرة لم يكن صادمًا أو مبتذلًا كما في حالات سابقة، إلا أن الواقعة أعادت تسليط الضوء على فوضى السوشيال ميديا وغياب المحاسبة الفورية، في وقت تتكررت فيه هذه الظواهر بشكل مقلق. المشكلة الحقيقية ليست في هدير وحدها، بل في عشرات من البلوجرز الذين سبقوها إلى ساحات المحاكم، بتهم تتراوح بين التحريض على الفسق والفجور، وانتهاك الخصوصية، وتشويه صورة الأسرة، بينما يتابعهم ملايين، معظمهم من المراهقين والشباب، خاصة الفتيات الباحثات عن "قدوة" أو "ستايل" يحاكونه، دون وعي بخطورة ما يُقدَّم لهن. فبعض البلوجرز لا تتردد في عرض حياتها الشخصية على الملأ، من خلافات زوجية إلى محتوى يتعمد الإيحاءات الجريئة، بزعم التوعية أو الحرية، وكل ذلك يُقدَّم بشكل جذاب وسهل الوصول، ليتسلل إلى عقول أبنائنا، وبينما توجد نماذج محترمة لصناع محتوى يقدمون مواد تعليمية أو دينية أو تربوية هادفة، إلا أنهم غالبًا لا يحظون بنفس الانتشار، لأن خوارزميات المنصات تُفضل الإثارة والجدل، على حساب القيمة والاحترام. ولأن الخطر لم يعد مجرد فيديو عابر أو تريند سريع، فنحن أمام موجة ممنهجة من الانحدار الأخلاقي، تُقدَّم لأولادنا في صورة براقة، محاطة بالشهرة والمال وعدد المتابعين، وكل يوم نتأخر فيه عن المواجهة، ندفع ثمنه من وعي وسلوك جيل كامل. فلم يعد كافيًا الحديث عن التربية أو الوعظ، فالمسؤولية الآن باتت أمنية وتشريعية قبل أن تكون تربوية، ولابد من تدخل واضح من الدولة وأجهزتها الرقابية، لوضع حدود لكل من يستبيح القيم المجتمعية باسم "الحرية الشخصية"، لأن حماية أولادنا اليوم لم تعد مجرد مسؤولية أسرية، بل قضية أمن مجتمع وهوية وطن، تستحق المواجهة بكل حسم. لذا يجب: تغليظ العقوبات على كل من يستخدم المنصات الإلكترونية لنشر الفسق أو التشهير أو الإساءة للأفراد، وتفعيل الرقابة الأمنية على الحسابات المشبوهة، ومنع انتشار المحتوى الضار قبل أن يصبح ترند أو قدوة مُضللة، وإذا وصل الأمر إلى تهديد مباشر للأسرة والقيم، فالحجب ليس خطًا أحمر، ويجب ألا نتردد في وقفه، كما يجب تعزيز التعاون بين الجهات المعنية، من النيابة العامة ووزارة الداخلية والمجلس الأعلى للإعلام، لضبط حالة الانفلات الأخلاقي التي تهدد استقرار المجتمع.