منذ عقود طويلة، والعلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية تمثّل نموذجًا فريدًا في التآخي السياسي والتكامل الإقليمي. هذه العلاقات لم تكن يومًا تحالفات عابرة تقتضيها الظروف، ولا مصالح وقتية تمليها التحولات السياسية، بل هي امتداد طبيعي لوحدة العقيدة، والمصير المشترك، والتاريخ العميق الذي يجمع بين شعبين شقيقين تربطهما وشائج الدين واللغة والتقاليد والنسب. إنه لمن الواجب أن يعلم الجميع أن مصر والسعودية هما ركيزتا الأمن القومي العربي، وصمام أمان استقرار الإقليم. فالعلاقة بين القاهرة والرياض ليست مجرد خط دفاع عن مصالح وطنية، بل دفاع عن الهوية العربية في وجه كل من يسعى إلى تمزيقها أو إضعافها. لقد أدركت القيادتان في مصر والسعودية منذ سنوات طوال، أن الحفاظ على الأمن القومي العربي مسؤولية مشتركة لا تقبل المساومة ولا التأجيل. ولهذا، كانت المواقف متطابقة أو متقاربة في كبرى القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقضايا الأزمات في اليمن وسوريا وليبيا والسودان. وفي كل مرة، أثبتت مصر والمملكة أنهما لا تتأخران لحظة عن الدفاع عن وحدة الصف العربي ومصالح الشعوب العربية. حين تشتد المحن، نجد مصر حاضرة في دعم شقيقتها السعودية، كما لا تتوانى المملكة عن الوقوف إلى جانب مصر حين تقتضي الضرورة. هكذا ظل الصوت العروبي ينطلق من القاهرة والرياض معًا، ليؤكد أن أمن الخليج من أمن مصر، وأن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمن الخليج. لم تكن الشراكة بين مصر والسعودية يومًا مجرد توقيع اتفاقيات أو تبادل زيارات رسمية، بل إنها شراكة دم ووفاء وتجارب حقيقية في ساحات التحديات. منذ أن دعمت السعودية مصر في معركة الكرامة بحرب أكتوبر، إلى موقف مصر الواضح والحاسم في تأمين الخليج العربي، تكررت الدروس واختلفت الأزمنة لكن الثابت دائمًا أن من يراهن على شق الصف المصري السعودي خاسر وخاب وخسئ. لقد ظلّت السعودية في قلب كل مصري مخلص، رغم أنف المرجفين والمشككين، الذين لا يفهمون طبيعة هذه العلاقة المتجذّرة في أعماق التاريخ والجغرافيا والسياسة. واليوم، يحاول البعض، إمّا بجهل أو غرض، أن يصطنعوا شرخًا وهميًا بين القاهرة والرياض؛ يختلقون الفتن، ويحرّفون الحقائق، وينفخون في نار لا وقود لها. ولكن هيهات، فالشعوب الواعية والقيادات الرشيدة تدرك جيدًا أن العدو الحقيقي ليس جارًا قريبًا، بل من اغتصب الأرض وانتهك المقدسات وسعى لتمزيق الأمة وتمزيق الأوطان. ما بين القاهرة والرياض، أكبر من الإعلام المأجور، وأوسع من التحليلات المتعجلة. إنها علاقة تُمحّصها الأزمات فتزداد صلابة، ويشهد التاريخ أنها لم تكن يومًا على حساب أحد، بل من أجل استقرار الجميع. ستبقى مصر والسعودية معًا قلب الأمة النابض وسدّها المنيع في وجه كل التحديات، مهما تبدلت العواصف وتغيّرت التحالفات. فالتاريخ يعلم، والحاضر يشهد، والمستقبل يؤكد، أن هذه العلاقة ليست ترفًا دبلوماسيًا بل ضرورة استراتيجية لصالح شعوبنا وأمن منطقتنا. في الختام، أؤكد أن العلاقات المصرية السعودية أكبر من كل الأصوات النشاز، وأقوى من كل الزوابع المفتعلة، حفظ الله قيادتنا الحكيمة في المملكة العربية السعودية، ومصرنا الغالية، وزاد وحدتنا قوة وصلابة. د. موسى أباظة التميمي رئيس المجلس الدولي للعالم الإسلامي