أنا أثق أن من مر بمثل تلك التجربة وتجرع مرارتها لن يرضى أبدًا أن يشرب غيره من نفس الكأس خاصة لو كان ممن يعملون تحت رئاسته عندى ثقة كبيرة أن كل من يقرأ عنوان هذا المقال يقرأه صحيحًا، نعم فأنا أقصد «الهم» بفتح الهاء وتسكين الميم وهى من الهموم وليس الهم بفتح الهاء أى الأكل أو الطعام مثلما جاء فى الأمثال الشعبية «هم يا جمل»، تلك الجملة التى نقولها إذا أردنا اغراء طفل بتناول طعامه أو حتى شيخ كبير عندما يتحول من بعد قوة ضعفًا وشيبة، حيث يفقد شهية الطعام ويتحايل عليه أهله لكى يأكل ولو لقيمات قليلة يقمن صلبه.ثقتى مصدرها أن غالبية الناس حاليًا مهموم بشكل أو بآخر لذا سيتبادر المعنى الذى أقصده فى أذهان القراء ومن أول وهلة.الحقيقة أننى لا أود أبدًا تصدير طاقة سلبية للقراء الأعزاء فالكل كما يقول المثل الشعبي: «فيه اللى مكفيه» ، لكنى مع ذلك لا أجد سواك أيها القارئ العزيز بعد الله سبحانه وتعالى لالجأ إليه ربما لمجرد الفضفضة التى يشعر الإنسان بعدها براحة نفسية تمنحه قدرًا من التفاؤل. سبب تلك المقدمة الطويلة اننى عزيزى القارئ اعيش لحظات تعيسة لم أمر بها فى حياتى من قبل، ذلك لأننى وبدون قصد منى تسببت فى فصل موظف من عمله ليجد نفسه فى يوم وليلة بلا وظيفة بعد أن قضى فى وظيفته حوالى عشرين عاما ولا يزال فى سن العطاء وكان ينتظره مستقبل كبير فى مجال عمله وفرص للترقى فيه.والحكاية بدأت منذ حوالى شهر أو أكثر وكنت وقتها فى مدينتى ومسقط رأسى البياضية عندما زارنى قريب عزيز طالبا مشورتى ورأيى حيث يشعر الرجل أنه يتعرض لظلم فادح فى مجال عمله حيث يعمل فى فرع إحدى الشركات المصرفية المرموقة بالأقصر ورغم تاريخه الناصع فى العمل إلا أنه فوجيء بتقرير التقييم الأخير له فى العمل يمنح درجة ضعيف وهو الذى طيلة تاريخه يحصل على أعلى التقييمات.فشعر أنه هناك خطأ ما يمكن تصحيحه لو قدم تظلمًا لقياداته فى العمل وبالفعل سلك الطرق القانونية والتزم بالتدرج لكن لا حياة لمن تنادي.نصحته أن يلجأ لرئيس الشركة كلها فأنا أعرف رئيس هذه المؤسسة وإن كنت لم أتعامل معه بشكل شخصى وأثق أنه لن يرضى بظلم أحد حيث مر هو نفسه من قبل بمحنة تعرض فيها لظلم كبير وتعاطف معه جميع من عرف بقصته ثم فرح الرجل وكل من يعرفه عندما رد الله له حقه وتم رفع الظلم عنه وانتقم له ممن ظلموه لذا أنا أثق أن من مر بمثل تلك التجربة وتجرع مرارتها لن يرضى أبدًا أن يشرب غيره من نفس الكأس خاصة لو كان ممن يعملون تحت رئاسته. لم يكذب قريبى الخبر وسارع بإرسال ايميل لرئيس المؤسسة يعرض فيه ما تعرض له من ظلم فى التقييم الأخير وخلال أقل من ساعة وبدلًا من أن يتلقى ما يثلج صدره ويطمئنه أن كل شيء سيكون على مايرام بعد التحقق من الشكوى تلقى الرجل على ميله آخر ما كان يتوقعه..خطاب بالفصل النهائى من العمل !!.هكذا بدون تحقيق ولا حتى سؤال.. نعم وبكل بساطة وسهولة.ثم توالت المفاجآت عندما بدأت الاتصال ببعض الأصدقاء ممن تربطهم بذلك المسئول علاقة قوية فقالوا لى أنه شخص عنيف جدا فى قراراته وأنه ربما يكون عاقب الموظف بالفصل لمجرد أنه تجرأ وأرسل له التظلم مباشرة على ميله الشخصى رغم أن الرجل لم يفعل ذلك إلا بعد أن سدت فى وجهه كل القنوات الرسمية لإيصال تظلمه حيث بمجرد صدور قرار الفصل تم منعه من دخول مقر العمل وحذفه من كل جروبات التواصل التى تتيح له التحدث مع أحد داخل المؤسسة.والغريب أن المقربين من المسئول قالوا أنه يلجأ للعنف فى إدارته متأسيًا من وجهة نظره بالغرب والإدارات الأجنبية التى لا تعرف الرحمة. وهو اعتقاد خاطئ بالطبع فلا تجرؤ أى إدارة أجنبية على انهاء عمل موظف لمجرد أنه يتظلم من شيء ما فتزيد من الظلم وتفصله بدون حتى تحقيق أو مساءلة.ولو حدث ذلك يستطيع الموظف المظلوم أن يحصل على تعويضات ضخمة دون أن يجبره أحد على ترك العمل.ومنذ حدوث تلك الواقعة ركبنى الهم وأقض مضجعي-ولك أن تتخيل حال المظلوم نفسه-وأندهش وأنا أتخيل هذا المسئول يذهب لينام قرير العين بعد أن هدم مستقبل إنسان بجرة قلم دون حتى أن يسمع ما لديه. اعتذر لك مجددا عزيزى القارئ فقد حملتك هما فوق همومك لكن كانت تلك حيلتى الوحيدة لأتخفف من ثقل ما أشعر به، وإلا كان الحل البديل أن أسرح بعربة يد فى الشوارع مناديًا: مين يشترى الهم منى ؟!!