أمن سوهاج يضبط 3 سيدات يوزعن مبالغ مالية وكروت دعاية خاصة بمرشح فى جرجا    تمريض جامعة قناة السويس تختتم مناقشات مشاريع التخرج للمستوى الرابع 2025/2026    مصر تستهدف جذب الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع التعليم    محافظ كفرالشيخ يشهد توقيع بروتوكول تعاون مشترك مع وزارة الخارجية    تخصيص قطعة أرض ل «صندوق الإسكان الاجتماعي» لإقامة مشروع عمراني بالتجمع السادس    بعد فرض حصار جوى…ترامب الإرهابى يهدد بهجوم برى ضد فنزويلا ومادورو يتوعد بمقاومة طويلة الأمد    حمدان وبن رمضان وجهًا لوجه.. التشكيل الرسمي لمباراة فلسطين ضد تونس    حمدان وبن رمضان وجهًا لوجه.. التشكيل الرسمي لمباراة فلسطين ضد تونس    7 أخبار لا تفوتك اليوم الخميس 4 - 12 - 2025    ضبط 3 عاطلين استولوا على مبلغ مالى من سائق أثناء سيره بالطريق الدائرى فى القليوبية    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    وزير التعليم يبحث مع غرفة التجارة الأمريكية سبل تعزيز التعاون في جذب الاستثمارات    الليلة.. عودة عرضي "سجن النسا" "يمين فى أول شمال" على مسرح السلام    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    خالد جلال: تكريمي من وزارة الثقافة يمنحي طاقة جديدة لمواصلة مسؤوليتي تجاه الفن والشباب    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    الإمارات تطلق مصنع متطور للمولدات الصديقة للبيئة ينضم إلى القطاع الصناعي في الشارقة    البورصة تسجل مستوى تاريخي جديد مقتربة من 41500 نقطة بختام الأسبوع    بوتين يؤكد توسيع السيطرة الروسية نحو نوفوراسيا وخاركيف وأوديسا    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    محافظ أسوان يبحث مع التأمين الصحي الشامل مشكلات تقديم الخدمات الطبية    الوطنية للصحافة تكرم أخبار اليوم كأفضل تغطية صحفية لافتتاح المتحف المصرى الكبير    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    الأهلي يتحرك لحسم ملف ديانج رسميًا.. وعرض جديد خلال ساعات    إعلان نتائج بطولة الجمباز بدوري الجامعات والمعاهد العليا المصرية رقم 53    «أخبار اليوم» تنعى شقيق الكاتب الصحفي إسلام عفيفي    القاهرة الإخبارية: انتظام التصويت بدائرة الرمل في الإسكندرية.. والشباب يتصدرون    وفاة الشاعر والإذاعي فوزي خضر وتشييع جثمانه اليوم بعد صلاة العصر    رغم إصابته في أحداث 7 أكتوبر.. نتنياهو يدافع عن قرار تعيين سكرتيره العسكري رئيسا للموساد    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    ترقب أمريكى لزيارة بوتين للهند.. توقعات باتفاقات دفاعية وتسهيل التجارة    بعد حصوله على جائزتين بمهرجان القاهرة.. فيلم ضايل عنا عرض يستكمل عروضه ما بين روما وقرطاج    هل بول القطط نجس؟ وحكم الصلاة فى المكان الملوث به.. الإفتاء تجيب    محافظ الجيزة يتابع فتح لجان الدائرة الثامنة "إمبابة والمنيرة الغربية" من داخل مركز السيطرة للطوارئ    "تعليم القاهرة" تدعو الطلاب لضرورة الاستفادة من المنصة اليابانية    مباحثات مصرية - بريطانية لتعزيز الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية    لماذا يرتفع ضغط الدم فى الصباح وكيفية التعامل معه؟    نقيب المعلمين يبحث آفاق التعاون مع اتحاد التعليم في إنجلترا    المعرض الدولى الرابع للصناعات الدفاعية ( إيديكس - 2025 ) يواصل إستمرار فعالياته وإستقبال الزائرين    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    رمضان 2026| سوسن بدر تتعاقد علي «توابع »ل ريهام حجاج    بيراميدز يخسر جهود زلاكة أمام بتروجت    هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كسفريت يا كسفريت.. في كل خرابة عفريت!!
أبو كريشة
نشر في الجمهورية يوم 23 - 01 - 2013

كسفريت.. يا كسفريت.. اجعل في كل خرابة "عفريت".. والخرابات عندنا علي قفا من يشيل.. كل البلد خرابة لذلك كثرت فيه العفاريت.. عفاريت الصباح وعفاريت المساء.. والعفريت عندنا "بسبع رجلين".. وبسبعة أرواح.. والعفاريت تلد عفاريت .. والله تعالي لحكمة يعلمها لم يستجب لدعاء سيدنا نوح: "رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا. انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلي فاجرا كفارا".. وهناك من قال إن كلمة "الأرض" في القرآن الكريم تعني في أغلب الآيات التي وردت بها "مصر" مثل قول سيدنا يوسف عليه السلام "اجعلني علي خزائن الأرض".. وهناك أقوال كثيرة في هذا ليس هنا مقامها.. لكنها جميعا لا ترقي إلي درجة اليقين..
أما الأمر الذي أراه يقينياً فهو ان بلدنا مسكون منذ القدم بالعفاريت.. ونحن نتحدث عن العفاريت بإعجاب دائما حتي اننا نشبه من نحبهم بالعفاريت.. والمصري يصف ابنه المشاكس بأنه "عفريت".. والعاشق يقول لمعشوقته: "يا عفريتة".. والمعطف الذي يرتديه بعض ذوي الحرف نسميه "عفريتة".. ونيجاتيف الصور نسميه "عفريتة".. ونقول: "ما عفريت إلا بني آدم".. وأسماء أفلامنا مليئة بالعفاريت "عفريتة هانم.. وعفريتة إسماعيل ياسين.. والعفاريت.. وعفاريت الأسفلت".. ومعظم الجرائم في مصر تقيد ضد مجهول.. أي ضد عفريت.. عندنا فساد نشمه ولا نراه ولا نسمعه ولا نلمسه وليس عندنا فاسدون.. لأن مرتكبي جرائم الفساد عفاريت.. ونحن معجبون حتي العشق بالعفاريت لذلك ننظر إلي الفاسدين بإعجاب وإكبار.. ونقول كما قال قوم قارون إعجابا بفساده: "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم".. وقارون مصري والمعجبون به مصريون.. وقارون أغنته العفاريت "كان بيحضر عفاريت ويسخرها".. لذلك قال: "إنما أوتيته علي علم عندي".. حتي علمنا علم عفاريت وليس كعلم صاحب سيدنا سليمان الذي أتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد إلي سليمان طرفه.. فهذا كان عنده علم من الكتاب غلب به عفريت الجن.. أما نحن فعلمنا علم شر.. علم عفاريت وراثة عن جدنا قارون.. وملكنا ملك شر وملك عفاريت وراثة عن جدنا فرعون.
ولأن مصر بلد العفاريت والقوارين والفراعين منذ القدم فإنها من أكثر بلاد الدنيا ازدحاما بالدجالين والمشعوذين وضاربي الودع والرمل "وموشوشي الدكر" وفاتحي المندل وقارئي الفنجان.. وهناك مساواة تامة بين الرجل والمرأة في امتهان الدجل.. المرأة عندنا مسموح لها بالعمل كدجالة مثل الرجل.. والدجل أنواع.. هناك أنواع يحترفها الرجال وأخري تحترفها النساء.. فالزار وضرب الرمل والودع وقراءة الفنجان للنساء أكثر.. وقراءة الكف وتحضير الجن وإخراج العفاريت وما يسميه المشعوذون العلاج بالقرآن مهنة الرجال أكثر.. والمصريون اثنان.. أحدهما دجال والآخر زبون الدجال.. والدجل عندنا يركز أكثر علي الجنس لأن زبائنه أكبر عددا تماما مثل تركيز الدعوة والفتوي علي الجنس.. لأن الجنس "بياع".. وقد لجأ الدجالون إلي تديين كل شيء عندنا حتي يكثر زبائنهم.. فقد تم تديين الجنس وتديين الشعوذة وتديين السياسة وتديين الصكوك وبيع الوطن وتديين البلطجة وتديين الفساد وتديين غسيل الأموال القذرة.. كان غسيل الأموال القذرة في الماضي القريب يتم عبر إصدار الصحف وإنشاء القنوات الفضائية وفي المجال الرياضي والطبي.. وأضيف إلي ذلك اليوم تبييض الأموال السوداء في المجال الديني والخيري.. وقد أفتي كثيرون بجواز قبول الصدقات من أموال قذرة.. لكن الصواب أن قبول الصدقة من المال الحرام حرام إذا علم الفقير أو مستحق الصدقة أن المال حرام أو غلب علي ظنه أنه حرام.. فمن يقبل الصدقة من مال حرام وهو يظن أنه حرام شريك أصيل في جريمة غسل الأموال القذرة.
ولأننا بلد العفاريت فإن أجسادنا تنبت وتنمو من سحت وصار بلدنا أحد المراكز الرئيسية في العالم لغسل الأموال القذرة وخصوصا في هذه الأيام السوداء التي صار فيها لكل مصري قانونه الخاص ودولته الخاصة.. حتي صرنا جميعا فاسدين علي رأي صديقي محمد سلمي الغمراوي وصديقي حمادة بدران أبو دوح وصديقي حسني محمد حسين من ديرب نجم.. شرقية.. كل مصري الآن صار دولة داخل الدولة.. وتآكلت الدولة تماما.. وضمر الموضوع وتورمت الذات.. وقد بدأت المطالب فئوية وصارت شخصية.. لكل مصري مطلبه.. ومصر لا يحكمها قانون ولكن يحكمها العفاريت المتدينون.. والبلطجية المتدينون.. والحرامية المثقفون.. والشياطين الوعاظ.. زمان هتف أخونا السوداني قائلا: "مصر والسودان حتة واحدة".. ولما نشلوا محفظته قال غاضباً: "مصر والسودان مية ألف حتة".. وبعد قليل هتف المصري: "مصر حتة واحدة".. ولما نشلوا ثورته وأحلامه وآماله ودم قلبه وحتي دينه يقول الآن وهو صادق فيما يقول: "مصر مليون حتة.. مصر تسعون مليون حتة".
***
مصر بلد العفاريت وبلد الدجالين الذين يدعون اخراج العفاريت من أجسادنا.. وحكامنا علي مر العصور مارسوا طرقاً شتي للدجل.. ونحن لا نريد أن نتوب.. ربما لأننا يائسون ولا حيلة لنا سوي الارتماء في أحضان الدجالين.. هناك من سقانا شربة الاشتراكية لإخراج عفريت الفقر والعوز والجهل والمرض من أجسادنا.. لكن الوصفة فشلت والعفاريت لم تخرج من أجسادنا وهناك من وصف لنا خلطة الرأسمالية مع الانفتاح.. وفشلت الخلطة.. وهناك من أعطانا عصير الصحوة مع حبوب الخصخصة ولم تخرج العفاريت.. والآن هناك من يعطينا محلول النهضة مع بعض الأدعية والصلوات والرقية غير الشرعية.. لكن العفاريت تأبي الخروج.. بل تزداد أعدادها في كرات دمنا ومصت دماءنا حتي لم يعد عندنا دم.. نحن دائما نرضي بالهم لكن الهم لا يرضي بنا.. حتي ان الهم زهق منا.. والعفاريت تريد أن تطفش منا لكنها لا تجد باباً للخروج.. فالرءوس مغلقة والقلوب عليها أقفالها.. والعيون تري ولا تبصر.. فنحن عميان بصر وبصيرة.. لأن الأبصار لا تعمي ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.. لقد تعفرتنا حتي خافت منا العفاريت وأصبحنا بارعين في فن "الهبالة علي الشيطنة".
كثر فينا النصابون لأننا طماعون.. وكثر فينا الدجالون لأننا بلهاء.. وكثر فينا الظالمون لأننا رضينا بالهم والظلم والدنية في ديننا ووطننا ودنيانا.. لا تظلموا الحكام والمسئولين عبر العصور.. لا تلوموهم ولوموا أنفسكم.. نحن عفرتنا الحكام والمسئولين.. وكل ذي منصب عندنا يبدأ ملاكاً ونتولي نحن تحويله إلي شيطان وعفريت.. ليس صحيحا أبدا أن الحاكم يفسد شعبا.. ولكن الشعب هو الذي يفسد الحاكم عندما يؤلهه أو يجعله نبياً أو من نسل النبي.. وافرض حتي أن الحاكم من نسل النبي فماذا يساوي هذا؟.. افرض ان الحاكم من نسل أحد الخلفاء الراشدين.. "وإيه يعني"؟ هل يغني ذلك عنه أو عنا شيئا؟ لكنه الدجل والشعوذة والتخاريف التي طالت كل شيء في هذا البلد.
مصر تدار بالدجل والشعوذة والتخاريف والهبالة والشيطنة "وبالبركة".. والمأساة ان هذا الشعب لا يمكن إدارته وحكمه إلا بهذه الطريقة.. فهو شعب "لىقطة".. ومضحوك عليه.. يصدق من يكذب عليه.. ويكذب من يصارحه ويصدق معه.. مصر لم تكن يوما تىدار بخطة أو برنامج ولكنها تدار بالدجل والشعوذة والتعاويذ والتمائم والأحجبة والأرقام الكاذبة "ومليارات رايحة ومليارات جاية" لكنها لا تُري بالعين المجردة ولا تحت المجهر.. ولا يراها سوي المؤمنين والمتدينين المكشوف عنهم الحجاب..
مصر بلد عشوائي من زمان.. وقد قلت لكم من قبل إن العشوائية معني قبل أن تكون مبني.. والمباني والمناطق العشوائية والخرابات ومقالب القمامة كلها انعكاسات لعشوائية وزبالة وخرابات القلوب والعقول والرءوس.. هذا بلد لا يستطيع الحياة بدون عشوائية.. العشوائية قاعدة والنظام استثناء.. القبح أصل والجمال فرع.. الخرابات جوهر والحدائق مظهر مؤقت.. وكل الحملات والمحاولات تزيل العشوائيات والتعديات ساعة.. لكن سرعان ما يعود كل شيء عشوائي وقبيح إلي أصله.. الجمال في مصر كاذب والحمل كاذب والثورة كاذبة والديمقراطية كاذبة والعدالة كاذبة وبرامج المرشحين كاذبة.. لكن القبح صادق والفوضي صادقة والقهر والظلم والاستبداد.. كل هذا صادق.. الخير في مصر أقوال والشر أفعال.. التدين أقوال والكفر والنفاق أفعال.. ونحن ترضينا الأقوال وتخدعنا اللافتات والشعارات.. التحتي والسفلي والسري في مصر هو الحقيقي.. لكن الفوقي والظاهر والعلني كاذب.. هناك مصر أخري في الظلام.. مصر شريرة ومتآمرة وفاسقة وفاسدة.. أما مصر التي في الضوء وعلي السطح فهي كذابة لأنها تدعي الخير والعدل والحق والجمال.. في مصر ما خفي دائما أعظم وأسوأ وأخطر.. لكن ذوي العقول الذين يمشون في مناكب الأرض ويجولون في الطرقات ويركبون المواصلات يرون مصر السفلية بجلاء في سلوكيات الناس وهبالتهم وشيطنتهم "وأنتختهم" وبلادتهم ولا مبالاتهم وبلطجتهم.. لا تري في هذا البلد ولا تسمع ما يسرك أو يريحك أو يعطيك أملاً.. لا تري إلا ما يشحنك قنوطا ويأسا إلا من رحمة الله.. لا تري ولا تسمع إلا ما يضايقك ويحرق أعصابك ودمك.. ويشعرك بالقرف والإحباط.. ونتساءل ولا نجد جواباً: "معقول حيجي يوم والناس دي تفوق؟".. قد يأتي هذا اليوم ولكن بالتأكيد ليس في حياتي.. أتمني أن يشاهده ويعيشه الورثة.
***
كلنا فاسدون لأن الفساد فعل والإصلاح كلام.. لأن الشر فعل والخير قول.. لأن مصر فريقان منذ فرعون وهامان وقارون فريق يقول ما يريد وفريق يفعل ما يريد "وأديك شايف".. الدنيا عندنا ماشية كما يريد لها الفاعل ولا أحد يعير المفعول به اهتماما.. القوانين والدساتير والصكوك وهدم المؤسسات طوبة طوبة.. كل هذا يتم إقراره ويسير كما يشاء الفاعل ورغم أنف ورفض وصراخ المفعول به.. هناك دائما سلطة تفعل.. ومعارضة ترفض أو تحذر أو تناشد.. معارضة تقول ولا تملك الفعل.. وشعب مفعول به في كل الأحوال.. هناك دائما في مصر قافلة سلطة تسير وكلاب تعوي من حولها.. لكنها كلاب بلا أسنان ولا تعض وإذا عضت فإن المعضوض يضحك ولا يبكي.. ويضع رأسه في فم الأسد وهو مطمئن.. الشعب عندنا.. بل في أي دولة عربية أسد عجوز سقطت كل أسنانه وفقد مخالبه.. لذلك تضع أي سلطة رأسها في فمه وتنام قريرة العين.. ليقال إنها سلطة ديمقراطية شجاعة تستمع إلي المعارضة بينما لا يعرف سوي قليلين أن الأسد عجوز سقطت أسنانه ولا خوف منه ولا قيمة لزئيره..
السلطة في أي دولة عربية تعرف آخر الأسود التي بلا أسنان.. زئير وزمجرة ومليونيات وحشود لكن عدد الأسود في الليمون.. ولا خوف منها لأنها بلا أسنان.. يهلك المظلومون المظلومين ويخرج الظالمون من بينهم سالمين.. الشعوب العربية كلها تحارب بألسنتها وشعاراتها وتثور بهتافاتها.. وفي الزحام ينقض اللصوص علي رءوسها وعقولها وجيوبها ليسرقوا آمالها وأحلامها وثوراتها وفلوسها وأوطانها وفجرها وشمسها.. دائما "يا فرحة ما تمت خدها الغراب وطار" دائما "يا ثورة ما تمت خدها الحرامي وغار".. الشعوب العربية هي الجارية التي تكلف وتطبخ.. ولا تذوق لقمة واحدة من طبختها.. هناك دائما سيد متكيء علي أريكته ينتظر نضوج الطبخة ليلتهمها وحده دون أن يدفع فيها مليماً أو قطرة دم أو نقطة عرق.. وستظل الخصومة دائمة بيني وبين الشعب.. لا أزمة عندي مع حاكم أو سلطة أو مسئول.. مشكلتي ليست مع الكذاب ولكن مع من يصدقه.. ليست مع الظلم ولكن مع المظلوم الذي يستعذب الظلم ويستزيد منه.. مشكلتي مع شعوب أوتيت فحولة وبطولة القول وارتخاء واسترخاء وهوان الفعل.. وأظن أنني واحد من هذه الشعوب.. فأنا أيضا أوتيت فحولة الكلام وثراء القول ولكن مع فقر الفعل.. لا شيء يحدث في بلدي علي مر العصور إلا ما يريده العفاريت والشياطين والأبالسة.. وكيد الشيطان ضعيف لكن المشكلة أن الذي يكيد الشيطان ضده أهون وأضعف.. المشكلة والخديعة الكبري المضحوك علينا بها أن الموضة الآن هي تديين الهبالة والشيطنة وأن الأبالسة اعتلوا المنابر وأن أحفاد إبن سلول تعجبنا أجسامهم وإن يقولوا نسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة.. هم العدو ولكننا لا نحذرهم.. الكارثة ان أعداء الدين "منه فيه" وأن هادمي الدين هم الذين أوكلنا إليهم بناءه.. والأمور تسير كما يريد لها الله.. لكننا لن نسكت فإذا كان الشر والنفاق وشيوع الكذب قضاء الله وقدره فإن صراخنا ضد ذلك كله قضاء الله وقدره أيضا.. نحن قد لا نغير شيئا بما نكتب ونقول ولكننا علي الأقل نبريء ساحتنا.. ونبرأ إلي الله من النفاق والهبالة والشيطنة.. وعندما نتحول يوم القيامة إلي قراء لكتبنا نأمل ألا نجد فيها موالسة ومهادنة مع الشر ومصالحة مع الأبالسة.. يكفينا شرف المحاولة يكفينا ألا يقال عنا: "علموا ولم يبلغوا".. يكفينا أننا لسنا متضامنين بالسكوت المخزي.. قد لا نستطيع بقلة حيلتنا وضعف قوتنا وهواننا علي الناس أن نمنع الجريمة.. لكن علي الأقل لن نكون شركاء فيها بالموالسة والمهادنة والسكوت.. لن نصلح الكون ولكننا سنظل نرفض أن نكون شركاء في إفساده.. سنواجه بسلاحنا الضعيف أي كسفريت.. وسنجوب الخرابات لنواجه أي عفريت!!!!
نظرة
اللهم اجعلني أعمل وأنا أعلم ان الله يري وأن بيده نواصي ما ذرا وما برا.. اللهم لا تجعلني ممن عزهم الإمهال حتي ظنوا أنه إهمال.. اللهم بدلني من سنة الغفلة إلي يقظة الطاعة.. وألهمني من العمل ما أفوز بأجره إلي قيام الساعة.. اللهم إني أعوذ بك من وضاعة التكبر ودناءة التجبر.. ويقول الإمام الشافعي: أظلم الناس لنفسه اللئيم.. إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه واستخف بالأشراف وتكبر علي ذوي الفضل.. وقيل: ما ضاع إلا وضيع ولا فاخر إلا لقيط ولا تعصب إلا دخيل.. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال: ما وجد امرؤ في نفسه كبراً إلا لمهانة يجدها في نسبه.. وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر.. وقيل: من جهل قدر نفسه كان بقدر غيره أجهل.. ومن قل لُبه كثر عجُبه.. وقال معاوية رضي الله عنه: التواضع مع البخل والجهل أزين للمرء من الكبر مع البذل والعقل.. فالتواضع حسنة تستر سيئتين.. والكبر سيئة تطغي علي حسنتين.
وقال الشاعر: كبر بلا نسب.. تيه بلا حسب.. فخر بلا أدب.. هذا من العجب!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.