في 7يوليو 2025، شهدت القاهرة حادثًا كان من الممكن أن يشلّ الحياة الرقمية في مصر: حريق هائل اندلع في برج معدات الإنترنت والاتصالات التابع للشركة المصرية للاتصالات بمنطقة سنترال رمسيس. وبينما أدى هذا الحادث إلى توقف مؤقت لخدمات الإنترنت والهواتف الأرضية والمحمولة في بعض المناطق، إلا أن مصر لم تشهد انقطاعًا كاملاً للخدمة الرقمية. هذا الصمود لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة استراتيجية وطنية محكمة ارتكزت على بناء مراكز بيانات حديثة ومتطورة لتكون الدرع الواقي الذي يضمن استمرارية عمل الشبكات. العاصمة الإدارية الجديدة: مركز بيانات ذكي بمعايير عالمية تجسيدًا لهذه الرؤية الاستراتيجية، وفي يناير 2020، وقعت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية اتفاقية مع Orange Egypt لإنشاء وتشغيل مركز بيانات وبنية سحابية متطورة في العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة بلغت 135 مليون دولار. هذا المركز، الذي يعمل وفقًا لأعلى المعايير العالمية، صُمم لدعم مجموعة واسعة من الخدمات الحيوية، بما في ذلك: خدمات "المدينة الذكية": مثل إنترنت الأشياء (IoT)، الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وهي ركائز أساسية لتطوير المدن الحديثة. خدمات Triple-Play: التي تشمل الإنترنت، الهاتف، والتلفزيون، لتوفير حلول اتصالات متكاملة. إدارة مرافق البنية التحتية: لضمان التشغيل الفعال والآمن للمنشآت الحيوية. الأهم من ذلك، أن هذا المركز حاصل على شهادة التصميم والتشغيل بال Tier III من Uptime Institute، وهي شهادة عالمية تؤكد قدرته الفائقة على العمل المتواصل وتحمل الأعطال الفنية بكفاءة واستمرارية غير مسبوقة. شبكة احتياطية قوية: الشروق، القاهرة، والعين السخنة لم تكتفِ مصر بمركز بيانات واحد، بل اعتمدت على استراتيجية التوزيع الجغرافي للمراكز لتعزيز المرونة وتحصين الشبكة ضد أي نقاط فشل محتملة. فإلى جانب مركز العاصمة الإدارية، قامت المصرية للاتصالات بتشييد مراكز بيانات إضافية في مواقع استراتيجية: مركز بيانات الشروق 2 في القاهرة (القرية الذكية): هذا المركز أيضًا حاصل على شهادة Tier III في التصميم والتنفيذ، مما يؤكد جودته وموثوقيته. مشروع Regional Data Hub 2: الحاصل على شهادة Tier III في التصميم من Uptime Institute، بقدرة تشغيل تقنية تتجاوز 4.6 ميغاوات، ومن المتوقع أن يدخل الخدمة بحلول نهاية عام 2025. مركز حكومي إضافي في العين السخنة: يعد هذا المركز جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية وزارة الاتصالات لتعزيز قدرة الحكومة الرقمية، ويتضمن خدمات الحوسبة ومراكز الاستضافة السيادية، مما يضمن أمان وخصوصية البيانات الحكومية. الدروس المستفادة: كيف تحمي هذه البنية التحتية الشبكات؟ إن هذه البنية التحتية المتينة متعددة الطبقات تمثل العمود الفقري الذي يضمن استمرار الخدمات الرقمية في مصر، حتى في مواجهة التحديات الكبرى مثل حريق رمسيس. وتتجلى أهميتها في النقاط التالية: استمرارية الخدمة: على الرغم من توقف أنظمة الاتصالات التقليدية المتأثرة بالحريق، تحولت حركة البيانات تلقائيًا نحو مراكز البيانات البديلة، مما حافظ على استمرارية الخدمة لملايين المستخدمين. مرونة فائقة (Auto Failover): تعتمد الشبكة المصرية على بنية متعددة الطبقات تضمن مرونة عالية وتحولًا تلقائيًا في حالات الحوادث، مما يقلل من تأثير الأعطال على المستخدم النهائي. قدرة تحمل قياسية: بفضل التعاون مع شركاء عالميين مثل Huawei وUptime Institute، تتمتع الشبكة بقدرة صلبة على الحفاظ على استمرارية الخدمة بنسبة تصل إلى 99.982%، وفقًا لمعايير Tier III الصارمة. لقد بات من الواضح أن مصر لم تبنِ بنيتها الرقمية من فراغ. الاستثمارات الكبيرة في مراكز البيانات الحاصلة على شهادات Tier III، والتوزيع الذكي في مواقع متعددة، والشراكات مع شركات دولية رائدة، كلها عوامل ساهمت في دعم الشبكة القومية وجعلها قادرة على الصمود أمام الصدمات. فلولا هذه البنية التحتية المتطورة، لكانت تداعيات حريق رمسيس أشد وطأة، وربما لانقطعت خدماتنا الرقمية بالكامل. في النهاية، كان حريق سنترال رمسيس درسًا قاسيًا، لكنه كشف عن قوتنا الرقمية الحقيقية تحت صمت التقنية. إنه دليل ساطع على مستقبل رقمي آمن ومستدام تبنيه مصر بكل ثقة.