■ كتب: ندى البدوي في مشاهد غير معتادة، شهد العديد من المحافظات موجة من الطقس المتطرف، تمثلت فى تقلباتٍ جوية مفاجئة ورياح سريعة وأمطار صيفية غير مألوفة فى هذا الوقت من العام، ظهرت بشكل ملحوظ فى المناطق الساحلية، مما دفع السلطات إلى إصدار تحذيرات من نزول الشواطئ لارتفاع مستوى الأمواج، هذه الظواهر تتزامن مع ما يشهده البحر المتوسط من ارتفاعٍ غير مسبوق في درجه حرارته، والذي يؤثر بدوره فى اضطراب الطقس، الأمر الذى أرجعه الخبراء إلى الآثار الناجمة عن التغير المناخي. ◄ ارتفاع غير مسبوق في حرارة البحر المتوسط ◄ مطلوب توحيد وتنسيق لجهود أنظمة الرصد في مصر وفى ظلّ حالة عدم الاستقرار الجوى، انتشرت خلال الأسبوع الماضى موجة من الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى، تدّعى احتمال تعرض السواحل المصرية ل«تسونامى» قادم من عمق البحر المتوسط. وقد نفى المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد هذه المزاعم فى بيان رسمى، مؤكدًا عدم وجود أى مؤشرات علمية على نشاط زلزالى بحرى يُنذر بتسونامى. من جهتها، حذّرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية من نشاط للرياح على سطح البحر المتوسط، خاصة قبالة سواحل مرسى مطروح والعلمين والإسكندرية. ◄ خطر حقيقى فى المقابل، أطلق علماء المناخ تحذيرات من تعرض منطقة البحر المتوسط لموجة حرارة بحرية غير مسبوقة، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية وبيانات برنامج «كوبرنيكوس» الأوروبى لرصد المناخ، ارتفاعًا كبيرًا فى درجة حرارة سطح المياه لتتجاوز 30 درجة مئوية فى بعض المناطق، وهو مستوى نادر الحدوث، ويشكّل خطرًا حقيقيًا على النظم البيئية البحرية، وفق ما تؤكده التقارير العلمية. يوضح الدكتور على قطب، أستاذ علوم المناخ بجامعة الزقازيق ونائب رئيس الهيئة العامة للأرصاد الجوية سابقًا، أن حالة عدم الاستقرار التى تشهدها السواحل الشمالية لمصر مع بداية شهر يوليو، تندرج تحت مظاهر الطقس المتطرف النادرة جدًا فى هذا الوقت من العام، ويُرجعها إلى تفاعل معقّد بين منخفض جوى علوى سريع مصحوب بكتلة هوائية شديدة البرودة، وبين امتداد منخفض الهند الموسمى عند سطح الأرض، الذى يتميز بارتفاع فى درجات الحرارة ونسبة الرطوبة. ◄ سحب ركامية ويشير قطب في حديثه ل«آخر ساعة» إلى أن هذا التفاعل بين التيارات الهوائية العلوية والسطحية داخل عمود الهواء الجوى يؤدى إلى تكوّن سريع لسحب ركامية رعدية، وهى من أكثر أنواع السحب غزارة، إذ تمتاز بقدرتها على إنتاج هطولات مطرية غزيرة فى وقت قصير جدًا، كما يُرجّح أنها المسئولة عن الهطولات المفاجئة التى تضرب بعض المناطق الساحلية مؤخرًا. ويؤكد أن هذه الظاهرة لم تُسجَّل فى مصر خلال شهر يوليو منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، مما يعكس أثر التغير المناخى بوضوح على أنماط الطقس المعتادة. مشيرًا إلى أن مصر، بحكم موقعها الجغرافى والفلكى، تتأثر صيفًا بكتل هوائية ساخنة نتيجة منخفض الهند الموسمى، مما يؤدى عادة إلى طقس مستقر وشديد الحرارة، لكن دخول منخفض علوى بارد على هذا النمط المعروف يعد حدثًا غير مألوف. ويرى قطب أن التغير المناخى يسهم فى تطرف الظواهر المناخية بنسبة تتراوح بين 30 و40% وهو ما يظهر فى تزايد حالات عدم الاستقرار التى تحدث فى أوقات ومناطق لم تكن تشهد مثل هذه الاضطرابات من قبل، فما نراه اليوم ليس استثناءً لكنه قابل للتكرار بشكل متزايد، كونه نتيجة مباشرة لاختلال التوازن فى النظام المناخى بسبب ظاهرة الاحتباس الحرارى. ◄ عواصف مطرية ويُشدد على خطورة الارتفاع غير المسبوق في درجة حرارة مياه البحر المتوسط، ويستشهد بتقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التى تُظهر أن حرارة سطح البحر المتوسط ترتفع الآن بنحو درجتين مئويتين عن المعدل الطبيعى، الذى يتراوح بين 24 و26 درجة مئوية. ويُوضح أن هذا الاحترار يُضاعف من معدلات التبخر، مما يؤدى بدوره إلى تكثف السحب ونشوء العواصف المطرية، كما يتسبب فى اضطراب التيارات البحرية، وارتفاع خطر الفيضانات الساحلية، وهو ما يستدعى تحركًا عاجلًا لتأهيل المناطق الساحلية وزيادة قدرتها على التكيف. وفي سياق الشائعات المتداولة حول احتمالية حدوث تسونامى، ينفى قطب ذلك مؤكدًا أن البحر المتوسط لا يُعد بيئة مناسبة لحدوث تسونامى، نظرًا لكونه مسطحًا شبه مغلق ولا تتوافر فيه الشروط الأساسية مثل اتساع مساحة وعمق المحيطات أو المنخفضات الجوية العملاقة. ومع ذلك، لا يستبعد احتمال وقوع فيضانات بحرية محلية نتيجة التغير المناخي، خصوصًا مع استمرار ارتفاع منسوب سطح البحر بسبب التمدد الحرارى وذوبان الجليد. كما يُشير إلى أن وقوع زلزال قوى بالتزامن مع منخفض جوى عميق قد يؤدى إلى ارتفاع الموج فى عرض البحر حتى 7 أمتار، لكنها تصل إلى الشواطئ بارتفاع لا يتجاوز مترين. ◄ الإنذار المبكر ويُشدّد الدكتور صابر عثمان، خبير التغير المناخي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة، على أهمية مواجهة التغير المناخى والتكيّف مع آثاره، ويُؤكد أن هذا التكيّف يبدأ بتطوير منظومة الرصد والإنذار المبكر، التى تُمكّن من رصد المخاطر المحتملة والإعداد لمواجهتها بشكل فعّال ومدروس، فالتكيف مع آثار المناخ لا يتحقق بالتعامل مع الكوارث بعد وقوعها، بل من خلال الاستباق والرصد والتحليل الدقيق للبيانات المناخية، وتحديث آليات العمل بشكل يواكب حجم التحدي. ويوضح عثمان فى تصريحه ل«آخرساعة» أن الهيئة العامة للأرصاد الجوية تمتلك حاليًا 219 محطة رصد موزعة على مستوى الجمهورية، لكنها ليست كافية، وغير مهيّأة لرصد الظواهر المرتبطة بالتغير المناخى، حيث لا تزال تعتمد على آليات تقليدية تُركّز أساسًا على تتبّع الطقس اليومي. ويضيف: هذه الأنظمة لم تصمم لرصد أو استيعاب الاضطرابات المناخية المتطرفة كالتى نشهدها مؤخرًا، سواء من حيث نمطها المفاجئ، أو شدّتها، أو توقيتها غير المألوف. مشيرًا إلى أن هذه المنظومة تفتقر إلى الدقة فيما يتعلق بالتغيرات المناخية بعيدة المدى، كما لا تمتلك القدرة الكافية للتعامل مع المعطيات المعقّدة والمتشابكة التى تفرضها الأزمة المناخية العالمية. ويُشير إلى أننا بحاجة إلى البناء على الخريطة الوطنية للمخاطر المناخية التى بدأت وزارة البيئة العمل عليها منذ عام 2016، لتكون مرجعية للجهات الرسمية وصنّاع القرار، بحيث توفّر تصوّرًا واضحًا عن المناطق المعرضة للخطر، وتقدّم قراءات استباقية حول السيناريوهات المحتملة، هذه الخريطة تستند، كما يوضح، إلى البيانات المناخية التاريخية، وتحاكى الظواهر الجامحة من خلال نماذج رياضية ومناخية دقيقة، وهو ما يسمح ببناء قدرات استباقية واتخاذ تدابير وقائية تحدّ من الخسائر قبل وقوعها. لكنه يُشدّد على ضرورة تحديث هذه الخريطة كل خمس سنوات على الأقل، لتغذية النماذج الرياضية ببيانات جديدة تُحسن دقتها وجودة تنبؤاتها. ◄ تشتت مؤسسي ويلفت إلى أن أنظمة الرصد في مصر تعانى من التشتت المؤسسى، إذ تعمل محطات تابعة لوزارات مثل الزراعة والرى وهيئة الاستشعار عن بعد، كلٌّ على حدة، فى ظل غياب التنسيق والدمج. ويُشدّد على ضرورة دمج هذه المنصات فى شبكة وطنية موحدة، تُسهل تبادل البيانات وتزيد من كفاءة التحليل. كما يدعو إلى تزويد محطات الرصد والإنذار المبكر بأدوات حديثة وتكنولوجيا متقدمة، مثل الحواسيب فائقة السرعة، التى تحلل كميات هائلة من البيانات وتُعزز دقة النماذج وتُسرع الاستجابة للتهديدات المناخية. ويختتم عثمان حديثه بالتأكيد على أن العالم لا يمتلك ترف تأجيل المواجهة مع التغير المناخى. وعلى الرغم من أهمية خفض الانبعاثات الكربونية باعتباره السبيل الأهم لوقف تدهور المناخ، إلا أن الدول، وعلى رأسها مصر، تحتاج بشكل عاجل إلى تعزيز قدرتها على التكيّف مع الواقع المناخى الجديد. ويتطلب ذلك استثمارات استراتيجية فى البنية التحتية للمناخ، وتطوير الكوادر البشرية، وتبنى سياسات متكاملة تقوم على فهم علمى دقيق، وليس مجرد ردود أفعال بعد فوات الأوان.