تشرق شمس الصيف فوق حقول الدلتا فتحولها إلى لوحة بديعة تظهر فيها جموع الفلاحين وهم منهمكون في زراعة شتلات الأرز، وكلهم أمل أن تمضى الأيام سريعًا ليحل موعد حصاد «الذهب الأبيض».. هذه الرحلة التي تستغرق نحو ثلاثة أشهر قبل أن تنحنى سنابل الأرز معلنة اكتمال نضجه كأنه يسجد شكرًا للأرض التي أرضعته من مياه النيل وعرق الفلاحين، وجهود العلماء والباحثين الذين طوروا شتلاته واستنبطوا أصنافا جديدة تستهلك كميات أقل من المياه وتحقق إنتاجية عالية.. في هذا التحقيق التقينا عددًا من المزارعين لإلقاء الضوء على استعداداتهم لموسم زراعة الأزر، ورصدنا آراء المتخصصين حول أصناف الأرز الجديدة. ◄ د.فهيم: «السوبر» يتميز بالجودة والإنتاجية العالية وقلة استهلاك المياه يواصل المزارعون الليل بالنهار لتجهيز الأرض لزراعة محصول الأرز، حيث تزرع المشاتل أولاً ثم تنقل الشتلات إلى الحقول التى تغمر بالمياه، ويعد الأرز أهم المحاصيل الغذائية بعد القمح ويعتمد عليه الملايين كمصدر دخل رئيسي، وهذا ما يؤكده أحمد مجدي أحد المزارعين بمركز شبرا العنب بمحافظة الشرقية قائلاً: محصول الأرز يعد من أهم المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها المزارعون، حيث إنها توفر هامش ربح كبيرا، بالإضافة إلى توفير احتياجات المزارع هو وأسرته من الغذاء طوال العام. ويضيف مجدي: تجهيز الأرض لزراعة شتلات الأرز مرهق جدًا، خاصة في عملية «التلويط» وهى عبارة عن تجهيز الأرض للزراعة عن طريق تسوية الأرض بزحافة خشب يجرها حصان، وذلك بعد رى الأرض بمياه الرى بمدة لا تقل عن 5 ساعات بعد حرث الأرض حرثة أولى وثانية، ثم رى الأرض وبعدها تبدأ عملية التلويط، ثم زيادة مياه الرى لتصل إلى 15 سم، ثم تترك مدة لا تقل عن 5 ساعات، ثم يتم بذر الأرض بالأرز. ويلتقط منه طرف الحديث مؤمن محمد أحد المزارعين بمركز شبرا العنب قائلاً: الفدان يحتاج إلى 60 كجم من تقاوى الأرز ويتم زراعتها فى شيكارة ووضعها فى مياه النهر الجارية لمدة 36 إلى 48 ساعة، ثم إخراجها من المياه وكمرها بوضع كمية مناسبة من قش الأرز لمدة لا تقل عن 24 ولا تزيد على 48 ساعة، وخلال هذه لفترة يظهر الجذر والساق الأخضر وبعد ذلك يتم بذر حبات الأرز فى الأرض التى يتم تجهيزها. فيما يوضح إيهاب حسين أحد المزارعين بمركز منيا القمح، أن هناك أربعة أنواع من الأرز يتم زراعتها أولها أرز 109 الذى يتم حصاده بعد 100 يوم، ونوع الأرز 108 ويُحصد بعد 125 يومًا من زراعته ونوع 178 الرفيع ويُحصد بعد 120 يومًا من زراعته والأرز البلدى القديم 187 ويُحصد بعد 145 يومًا من زراعته. ◄ تطوير الأصناف من جانبه، يؤكد الدكتور أبوبكر عبدالوهاب طنطاوي، أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة المنيا، أنه في الآونة الأخيرة قام مركز البحوث الزراعية بتطوير كبير فى أصناف الأرز، حيث أصبح هناك أصناف تستخدم كميات مياه أقل ما بين 5 و6 آلاف متر مكعب بعدما كانت تتراوح بين 8 و9 آلاف متر مكعب فى الموسم، وكذلك مدة مكوثها فى الأرض مثل الصنف جيزة 175 الذى يستمر لمدة 120 يومًا فقط، كما أن هناك مردودًا اقتصاديًا وبيئيًا ناجمًا عن الطفرة المتحققة فى ملف زراعة وإنتاج محصول الأرز ويتماشى مع أهداف وخطط الدولة بترشيد استهلاك المياه، وهو ما تحقق بالفعل بفضل البحوث التطبيقية وإنتاج الأصناف الجديدة التى عملت على تقليل استهلاك المياه من 8.5 ألف إلى 5 آلاف متر مكعب. ويتابع الدكتور أبوبكر: معهد المحاصيل الحقلية قام بعمل طفرة كبيرة للارتقاء بمحصول الأرز والحفاظ على الرقعة الزراعية المخصصة له من خلال إنتاج أصناف جديدة وهجن أصناف أخرى ذات معدلات إنتاجية وجودة عالية، بداية من صنفى جيزة 177 اليابانى وجيزة 178 الهندى اليابانى اللذين كان لهما السبق والريادة، مروراً بباقى الأصناف التالية التى تجاوزت حدود ال17 صنفاً تجارياً. ◄ الأنواع الموجودة فيما يشير الدكتور محمد على فهيم، رئيس مركز معلومات المناخ بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، إلى أن الموعد المناسب لزراعة مشتل الأرز هو النصف الأول من شهر مايو، والمساحة المطلوبة لكل فدان من 1.5 إلى 2 قيراط مشتل/ فدان، وكمية التقاوى 50 إلى 60 كيلو للفدان تكفى لزراعة 2 قيراط مشتل. وأكد الدكتور فهيم أن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى توسعت فى توفير التقاوى المعتمدة للمحاصيل الاستراتيجية وتزرع مصر صنفين أساسيين، الأول معروف اصطلاحاً باسم «الياباني» وهو الحبة القصيرة العريضة، فيما يعرف النوع الثانى ب»الهندى الياباني» وحبته رفيعة وقصيرة، ومن أبرز أصناف الأرز الهندى التى يتم إنتاجها جيزة 181 و182، وهما من الأصناف ذات الحبة الطويلة علاوة على صنف «الياسمين المصري»، وهو من الأصناف متوسطة الطول ذات الرائحة العطرية، ومن أهم الأصناف المعتمدة زراعتها الموسم الحالى «جيزة 177» ويتميز بقصر الحبوب ومتوسط إنتاجية الفدان من 3.5 إلى 4 أطنان، وقصير الساق ويحتاج ل125 يوم من الزراعة حتى الحصاد، ويفضل زراعته فى الأراضى الملحية، وصنف جيزة 178، ويتميز بأنه قصير الحبوب عالى المحصول متوسط إنتاجية الفدان من 4 إلى 5 أطنان، يحتاج ل135 يومًا من الزراعة إلى الحصاد وهو يشبه فى الحجم الأرز البلدى القديم «جيزة 171»، و»سخا 101» ويتميز بأنه قصير الحبوب عالى المحصول متوسط الإنتاجية أكثر من 5 أطنان للفدان يحتاج ل140 يومًا من الزراعة إلى الحصاد، وتجود زراعته فى الأراضى الخصبة ومتوسطة الخصوبة، والصنف «جيزة 181» وهو طويل الحبوب عالى المحصول فى إنتاجية الفدان من 4 إلى 5 أطنان ويحتاج ل154 يومًا من الزراعة إلى الحصاد، بالإضافة لصنف «جيزة 182»، وهو صنف جديد طويل الحبوب عالى المحصول ومتوسط إنتاجية الفدان من 4 إلى 5 أيام من الزراعة حتى الحصاد. ويضيف الدكتور فهيم: الأرز السوبر يتميز بإنتاجية عالية للفدان بجانب جودته وقلة استهلاكه للمياه، حيث يوفر هذا الصنف ثلث المياه التى تستهلكها أصناف الأرز التقليدية، كما أنه يتحمل العطش لمدة تصل ل8 أيام بالمقارنة بالأصناف الأخرى التى لا تستطيع الحياة بدون ماء. ◄ أخطر الأمراض وعن الأمراض التى تواجه محاصيل الأرز، يوضح الدكتور محمد صالح أستاذ المحاصيل، أن أخطر الأمراض التى تصيب الأرز فى مصر «اللفحة» التى كانت سببًا فى اندثار الأصناف القديمة لاحتمال ظهور سلالات جديدة للمرض، وهو ما يسبب نقصاً فى محصول الأرز، وتزداد الإصابة بهذا المرض مع ارتفاع درجات الحرارة، كما أن جراثيم الفطر لا تتكون فى درجة رطوبة أقل من 90%. ويوضح الدكتور صالح أن إصابة المحصول تظهر على الورق فى بداية الأمر على هيئة بقع صغيرة تكبر تدريجياً حتى تصل أحياناً إلى ما يقرب من ثلاثة سنتيمترات طولاً وحوالى سنتيمتر عرضاً، ويصبح لونها فى الوسط رمادياً كلون القش، بينما حافة البقع لونها بنى داكن، وتمتد الإصابة إلى أغلفة الحبوب فتضمر الحبوب وتتلون الأغلفة بلون أبيض باهت ويكون لونها رماديًا، وعند اشتداد الإصابة تتأثر السنبلة كلها ويصبح لونها رمادياً، وكلما كانت الإصابة مبكرة زاد الضرر وتأثر المحصول بشدة.