لى قريب كان يعيش فى الأقصر وكان يحب زوجته حباً جما، ليست هذه المشكلة بطبيعة الحال فالصعايدة كلهم هذا الرجل وإن لم يعبروا عن هذا الحب علانية، إما لشعورهم بالخجل حيث يعتبر أغلبنا أن الحب ضعف فما بالك بالتعبير عنه، وإما لأنهم يعتبرون أن حب الرجل لزوجته شيء طبيعى لا يحتاج للتعبير عنه أصلاً، لكن قريبى هذا كان لديه من الجرأة والشجاعة التى جعلته يعلن دائما عن حبه ل»عيودة» كما كان يحب أن ينادى زوجته حيث اسمها عايدة، لكن المشكلة الحقيقية أنه رحمه الله كان مع حبه الشديد لزوجته يحب القاهرة أيضا ويفرح فرحا شديدا عندما يسافر إليها فى مهمة عمل. أستطيع أن اقول لك باطمئنان أن حب القاهرة هو المنافس الوحيد لعايدة فى قلب زوجها. لم تتذمر عايدة يوما من حب زوجها للقاهرة ولم تعتبرها ضرة لها، تحتل فى قلب زوجها نفس مكانتها، والسبب فى ذلك أن زوجها المحب لها كان يعتبر فرصة السفر للقاهرة هى فرصة ليجدد شوقه لعايدة أو «عيودة». كان انتقاد الرجل الوحيد للقاهرة عندما يتحدث عنها قائلا: القاهرة حلوة حلوة مفيش كلام لكن عيبها الوحيد أنها لا تعطينى الفرصة للسرحان فى عيودة والتفكير فيها كما ينبغى لى أن أفعل ! كان الرجل يقصد أن زحام القاهرة وضجيجها لا يدع له فرصة لكى يسرح بخياله فى حبيبته وزوجته وأم أولاده التى شغفته حبا. السبب فى ذلك أنه طيلة فترة السفر ووجوده فى القاهرة يضطر أن يعطى كل انتباهه للطريق والزحام الذى يحاصره فى كل مكان، عكس الأقصر فى ذلك الوقت الذى كانت تتسم فيه بالهدوء الذى لا يمنعك وأنت تمشى فى شوارعها أن تسرح كيفما شئت سواء فى عايدة إن كان لك عايدة، تحبها مثلما كان حال قريبي، أو فيما شئت من أمور تشغلك. كنت تستطيع أن تتجول فى الأقصر دون قلق أو خوف لذا لم يكن قريبى يعانى من التفكير فى محبوبته كما يشاء، يستطيع أن يسرح فى ضحكتها ويتخيلها وهى تكلمه وترد عليه رغم أن غادر للتو بيته ولسويعات أو ربما دقائق قليلة يقضى فيها بعض المصالح أو المشاوير أو الزيارات الضرورية ثم يعود لبيته ولعايدته. رحل قريبى عن الدنيا منذ سنوات ورحل معه الهدوء الجميل الذى كان يميز مدينتى الجميلة. حدث لها غزو مريب من الموتوسيكلات التى يمتطيها شباب جامح لا يريد أن يستقر على الأرض. يطير بها فى كل شارع وحارة فلم يعد هناك فرصة ولو للحظات قليلة للاختلاء بالنفس والتفكير فى عايدة ولا غيرها. لو سرحت فى ذكرياتك لن تنجو من موتوسيكل يطيح بك فى فيمتو ثانية وربما أقل. فشباب الأقصر الطائر فوق تلك العجلات الطائرة لا يكتفى بالسرعة الجنونية التى يقود بها الموتوسيكلات بل يستعرض مهاراته فى رفعه العجلة الأمامية ليقود بالعجلة الخلفية فقط فى حركة بهلوانية تصلح للممارسة فقط فى سيرك يشترى فيه الناس تذاكر لمشاهدة فقراته الخطرة وهم يصفقون اعجابا لأنهم فى أماكن مؤمنة تفصلهم عن أى خطر سواء من موتوسيكل طائر أو أسد يزأر بين يدى مدرب يعرف كيف يسيطر عليه. ليس غريبا بعد ذلك أن تخصص مستشفيات الأقصر عنابر لضحايا حوادث الموتوسيكلات الطائرة. بل أن تلك العنابر أصبحت تضيق بما رحبت عن استيعاب المزيد من الضحايا الذين يتوافدون عليها فى كل لحظة ولو كانت هناك احصائيات رسمية فأنا على يقين أن الأقصر التى كان لقبها المدينة التى تحوى ثلث آثار العالم قد حصلت على لقب جديد يؤهلها لدخول موسوعة جينيس ريكورد للأرقام القياسية من زاوية مدينة التريليون موتوسيكل. نسبة ضئيلة منها لعائلات تستخدمها كما ينبغى كوسيلة نقل معقولة لأسرة يريد عائلها أن يحفظها من بهدلة المواصلات. لكن الأغلبية مع الأسف ممن يستهترون بأرواحهم وأرواح كل من يسير فى الشوارع حيث يفعلون ما يحلو لهم دون ضابط ولا رابط حيث تجد فى بعض الأحيان أربعة شبان على ظهر موتوسيكل واحد يمرقون بسرعة البرق. لذا لا يكاد يمر يوم دون حادث موتوسيكل مروع يموت فيه كثير من الشباب وغيرهم من الضحايا الذين يتصادف مرورهم فى تلك اللحظات الطائشة وما أكثرها. ولو استمر الوضع كما هو عليه فلن يبقى على قيد الحياة أقصرى واحد حيث سنموت جميعًا قبل حتى أن نسرح ولو لحظة واحدة فى عايدة ولا فى غيرها وربما يزور الأقصر مستقبلًا موسيقار عالمى جديد يستلهم حكاياتنا مثلما فعل فيردى ليخرج علينا بأوبرا عايدة الأرملة !