فى عصر تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعى على المشهد الإعلامى، وتتشابك فيه المعلومة مع الشائعة، أصبح من الصعب على الكثير من الناس التفرقة بين الخبر الحقيقى والكاذب، وبين المعلومة الدقيقة والمضللة. لقد تحولت منصات مثل فيسبوك، وتويتر، وتيك توك، وواتساب إلى مصدر رئيسى- بل وأحيانًا المصدر الوحيد- للأخبار لدى عدد كبير من المستخدمين، دون اعتبار لمصداقية هذه المنصات أو لأمانة من ينشرون عليها. لقد أصبح العالم اليوم يعيش حالة من «الإدمان المعلوماتى»، حيث يسعى الأفراد إلى مشاركة كل ما يقرأونه أو يسمعونه، سواء كان صحيحًا أو مفبركًا، وكأن عملية النشر والتفاعل أهم من التثبت والتحقق. وهنا تتسلل الشائعات والأكاذيب، وتنتشر كما تنتشر العدوى، فتصيب العقول، وتزرع القلق، وتخلق حالة من الفوضى المعنوية والاجتماعية. والمفارقة المؤلمة أن بعض هذه الأخبار الملفقة تكون بالغة التأثير والخطورة، مثل شائعة تتعلق بصحة مسئول، أو قرار حكومى غير معلن، أو كارثة بيئية مختلقة، أو حتى أكاذيب عن اختطاف أطفال أو انهيار عملات، ورغم عدم صحتها فإنها تنتشر فى لحظات، وتُشعل الجدل بين الناس، وتدفع البعض إلى اتخاذ قرارات بناءً على معلومات مغلوطة. إن الأخطر من الشائعة نفسها هو تعامل الناس معها باعتبارها حقائق، ومشاركتها على نطاق واسع دون أدنى مراجعة أو تحقق. فيتحول المواطن- دون أن يدرى- إلى وسيلة لنشر البلبلة والإضرار بالمجتمع، وقد يسبب ذلك أزمات حقيقية، سواء اقتصادية أو سياسية أو نفسية. ففى أوقات الأزمات، تتكاثر الشائعات كما تتكاثر الفطريات فى الظلام، وتجد لها بيئة خصبة لدى جمهور يعانى من القلق أو قلة الوعى أو تعطش للمعلومة. وهنا يكون دور السوشيال ميديا مدمرًا، إذ تتحول من وسيلة للتواصل إلى منصة لترويج الأكاذيب، ومنبر للفوضى بدلًا من أن تكون ساحة للنقاش العقلانى والمستنير. ورغم جهود الدولة والمؤسسات الإعلامية فى الرد على الشائعات وتكذيبها، إلا أن الرد وحده لا يكفى، لأن انتشار الكذب غالبًا ما يكون أسرع من انتشار التصحيح. فالكذبة المثيرة تنتشر على نطاق واسع خلال دقائق، بينما الحقيقة تحتاج إلى جهد مضاعف لتستعيد مكانتها. وهنا يظهر دور المواطن الواعى، الذى لا يجب أن يكون مجرد مستقبل سلبى لما يُنشر، بل عليه أن يُفعّل عقله، ويتحقق من مصادر الخبر، وأن يسأل: من قال هذا؟ ما مصدره؟ هل هو موثوق؟ ولماذا نُشر الآن؟ وأن يدرك أن إعادة النشر مسئولية، قد تضر بسمعة، أو تهدم مؤسسة، أو تثير فزعًا بين الناس. كما ينبغى على المؤسسات التعليمية والإعلامية أن تضع برامج لتعليم «التفكير النقدى» و«التربية الإعلامية»، حتى يعرف الناس كيف يتعاملون مع المعلومات، ويميزون بين الصدق والتضليل، وبين الإعلام المهني وبين منصات الفبركة والتزييف. نحن لا نواجه مجرد أكاذيب عابرة، بل نواجه حرب معلومات، وسلاحها هو الشائعة، وضحاياها هم المواطنون، وميدانها هو عقول الناس. وإن لم نواجه ذلك بوعى مجتمعى شامل، فإن الكذب سيبقى سيد الموقف، وسنظل ندفع ثمن البلبلة والتشكيك وانعدام الثقة. السوشيال ميديا ليست شرًا فى ذاتها، لكنها تتحول إلى خطر عندما يستخدمها الجهلاء لنشر الفتنة، ويصدقها البسطاء، ويتجاهلها العقلاء.