وراء المظهر اللامع لعبوات الطعام والمشروبات، يكمن تهديد صامت يتسلل إلى أجسادنا كل يوم دون أن ندري. فمع كل غلاف نفتح، وكل زجاجة نغلق، وكل عبوة نسخّن في الميكروويف، تنتقل إلينا آلاف الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والمركبات الكيميائية الضارة التي قد تضر بصحتنا على المدى الطويل. في ضوء دراسة حديثة نُشرت مؤخرًا، يُطلق العلماء تحذيرًا جديدًا: "تغليف الأغذية أصبح مصدرًا رئيسيًا للتلوث بالبلاستيك والمركبات المسرطنة، ومع مرور الوقت، يصبح أثره أكثر خطورة مما نتصور". ** آلاف المواد الكيميائية تتسلل إلى الطعام كشف تحقيق واسع النطاق أن أكثر من 3600 مادة كيميائية تتسرب إلى الغذاء أثناء مراحل الإنتاج والمعالجة والتعبئة والتخزين، وينتهي بها المطاف داخل أجسامنا. والأسوأ من ذلك أن 79 منها معروفة بتسببها في السرطان وتشوهات جينية واضطرابات في الغدد الصماء والخصوبة، ما يثير مخاوف كبيرة حول صحة المستهلكين عالميًا. ** عبوات قاتلة... من الغلاف إلى المائدة تشير الدراسة إلى أن الاحتكاك الناتج عن فتح الزجاجات أو تمزيق أغلفة الأطعمة كفيل بإطلاق كميات ضخمة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية. حتى عبوات الشاي أو الحليب أو العصير ليست بمنأى، إذ تسقط منها هذه الجزيئات المجهرية عند الاستخدام اليومي الاعتيادي. ولم تسلم الزجاجات ذات الأغطية المعدنية المغلفة بالبلاستيك من الشكوك، فقد ثبت أنها تسهم أيضًا في تلوث المشروبات بالبلاستيك مع كل مرة تُفتح فيها. ** جسيمات دقيقة ونانوية في جسم الإنسان الجسيمات البلاستيكية الدقيقة يتراوح حجمها بين 5 ملم و1 ميكرومتر، أما النانوية فهي أصغر بكثير، ويمكنها التسلل إلى الأوعية الدموية، لتنتشر في مختلف أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ والرئتين والكبد والمشيمة وحتى حليب الأم. وتشير دراسة حديثة إلى أن وجود هذه الجزيئات في شرايين الرقبة يزيد من احتمالية الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والوفاة المبكرة بمقدار الضعف. ** الأطعمة فائقة المعالجة في دائرة الخطر بيّنت المراجعة العلمية أن الأطعمة فائقة المعالجة تحتوي على نسب أعلى بكثير من البلاستيك الدقيق مقارنةً بالأطعمة الطازجة أو منخفضة المعالجة. فعمليات التصنيع المطولة والحرارة والضغط والتخزين في عبوات بلاستيكية كلها عوامل تساهم في تسرب المواد الضارة. ** غياب بروتوكول موحد... عائق علمي أحد أبرز التحديات التي تواجه الباحثين هو غياب بروتوكول موحد لقياس الجسيمات البلاستيكية. فالدراسات المختلفة تعتمد على أساليب متباينة في التقييم، مما يصعّب توحيد النتائج وتحديد حجم الخطر بدقة. ** ماء ملوث... بلا رائحة ولا طعم من أبرز الأمثلة الصادمة، كشفت إحدى الدراسات عن وجود 240,000 جسيم بلاستيكي في كل لتر من المياه المعبأة، معظمها من النانوبلاستيك، وهي جزيئات لا تُرى بالعين المجردة، ولا يمكن تمييزها بالرائحة أو الطعم، لكنها تهاجم الصحة من الداخل. ** البلاستيك في كل وجبة حتى الأواني المصنوعة من الميلامين، الشائعة في المنازل، تطلق جسيمات بلاستيكية عند غسلها المتكرر، وقد تكون مصدرًا مستمرًا للتلوث، بحسب دراسات أجريت على مدى الغسيل وتأثيره. ** نصائح وقائية لحماية صحتك: 1. استخدم الزجاج والفولاذ المقاوم للصدأ بدلًا من البلاستيك قدر الإمكان. 2. لا تسخّن الطعام في عبوات بلاستيكية أو تضعها في غسالة الصحون. 3. تجنب البلاستيك الذي يحمل رمز إعادة التدوير 3 أو 7 لاحتوائه على الفثالات أو البيسفينول. 4. اختر الأغذية الطازجة أو قليلة المعالجة وخفف استهلاك المنتجات المعلبة والمغلفة. 5. اقرأ الملصقات بعناية واختر المنتجات التي توضح نوع التغليف. المشكلة لم تعد مجرد نفايات بلاستيكية تملأ البحار، بل أصبحت خطرًا داخليًا يهدد صحة الإنسان من المطبخ نفسه. فقد تحوّلت عبوات الطعام اليومية إلى عبوات موت صامت، تنقل الملوثات إلى أجسامنا دون سابق إنذار. وبينما يحتاج العالم إلى تشريعات صارمة للحد من استخدام البلاستيك، فإن الوقاية تبدأ من وعي المستهلك، لأن صحتنا لا تحتمل التجربة.