في عالم يمضي مسرعًا، نادرًا ما نجد لحظات إنسانية تتجاوز الزمن وتُعيد ترتيب المشاعر كما لو كانت حدثت للتو، من بين هذه اللحظات النادرة، تبرز قصة أماندا سكاربيناتي، الطفلة التي واجهت أهوال الألم الجسدي منذ شهورها الأولى، والممرضة الشابة سوزان بيرغر، التي منحتها دفء الحنان في وقت كانت فيه الرحمة أثمن من الدواء. وعلى مدار 38 عامًا، لم تكن هذه القصة مجرد ذكرى، بل حلمًا باللقاء، تحقق في مشهد عاطفي خالص أثبت أن اللمسة الطيبة لا تُنسى... حتى بعد عقود. بداية الألم... وولادة الأثر في عام 1977، كانت الطفلة أماندا سكاربيناتي لا تزال في عمر الزهور – ثلاثة أشهر فقط – حين وقعت ضحية لحادث منزلي مروع. سقطت من على أريكة، مباشرة على جهاز تبخير بالبخار الساخن، لتصاب بحروق من الدرجة الثالثة، وتبدأ بذلك رحلة طويلة من الألم الجسدي والنفسي. تم نقلها إلى مستشفى "ألباني" في نيويورك، حيث خضعت لعلاج مكثّف شمل عمليات وجراحات متعددة، وفي وسط برودة الأجهزة ورائحة المطهرات، ظهرت شخصية مختلفة – الممرضة الشابة سوزان بيرغر، التي لم تكن تكبر الطفلة إلا بعشرين عامًا. لكنها كانت الأم البديلة، والروح الطيبة التي احتضنت الصغيرة بعاطفة فطرية، لا يمليها الواجب، بل تحرّكها إنسانية خالصة. ** صور لا تُنسى وثّقت تلك اللحظة الإنسانية بعدة صور أبيض وأسود، أظهرت سوزان تحتضن الطفلة الملفوفة بالشاش، وتبتسم لها كما لو كانت طفلتها. كانت صورًا صامتة، لكنها تحدثت بصوت أعلى من الكلمات، ومع مرور الزمن، أصبحت هذه الصور مصدر عزاء لأماندا، خاصة في فترات مراهقتها، حين كان تنمّر زملاء الدراسة يوجّه سكاكينه نحو وجهها المشوّه بفعل الحروق. في كل مرة كانت تنكسر نفسيًا، كانت تعود إلى تلك الصور. تراها وتهمس لنفسها: "يوجد في هذا العالم من أحبني دون أن يعرفني، واعتنى بي عندما كنت هشة وعاجزة." هذه المشاعر صنعت في داخلها التزامًا عاطفيًا عميقًا: "يجب أن أجدها... يوماً ما." ** نداء من القلب... واستجابة من العالم في عام 2015، بعد مرور 38 عامًا، لجأت أماندا إلى الفضاء الأرحب: وسائل التواصل الاجتماعي. نشرت الصورة التي جمعتها بممرضتها، وكتبت معها كلمات مؤثرة: "هذه أنا في عام 1977، أتعافى من حروق مروّعة. وهذه هي الممرضة التي اعتنت بي بمحبة. طيلة حياتي حاولت العثور عليها... هل يمكنكم مساعدتي؟" انتشر المنشور بسرعة مذهلة، تفاعل معه آلاف الأشخاص من حول العالم. وبينما كان البعض يشارك من باب التأثر، كانت هناك من تتعرّف على وجه مألوف... إنها الممرضة المتقاعدة "أنجيلا ليري"، التي كانت تعمل في نفس المستشفى قبل عقود، وتعرفت على زميلتها: سوزان بيرغر. ** اللقاء المنتظر كانت لحظة الاتصال بسوزان بيرغر لحظة ارتباك وفرح معًا. لم تصدق أن الطفلة التي كانت بين ذراعيها أصبحت امرأة ناضجة، ولا تزال تذكرها، بل وتبحث عنها. تم تحديد موعد اللقاء في المكان الذي شهد أول لمسة بينهما: مستشفى "ألباني". وعندما التقتا، لم تكن الكلمات كافية. نظرات مليئة بالدموع، عناق طويل تجاوز أربعة عقود من الغياب، وشعور عارم بالامتنان والدهشة والحب. قالت أماندا لسوزان وهي تمسك بيديها: "أنت لم تعالجيني فقط... لقد منحتني الأمل في عالم ظننته قاسيًا." وأجابت سوزان باختصار: "كنتِ طفلة لا تُنسى... وها أنتِ الآن امرأة لا تُصدَّق." ** ما بين الماضي والحاضر... دروس في الإنسانية هذه القصة ليست فقط عن الحروق والندوب، بل عن الأثر الذي تتركه لمسة واحدة، في لحظة واحدة، على روح إنسان مدى الحياة. إنها رسالة صريحة بأن المواقف الطيبة لا تموت، وأن الرحمة أقوى من الألم، وأن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم ما فيها من صخب وفوضى، يمكن أن تكون جسرًا للوفاء والبحث عن الجمال الإنساني الضائع. ** نصائح من وحي القصة: 1. لا تقلل من أثر الكلمة الطيبة أو اللمسة الحانية قد لا تتذكر أنت ما فعلته، لكن الطرف الآخر قد يعيش عليه لعقود. 2. لا تخجل من التعبير عن امتنانك إذا كنت تحتفظ بجميل في ذاكرتك، ابحث عن صاحبه، واشكره. ربما يكون هو أيضًا بحاجة لسماع ذلك. 3. استخدم وسائل التواصل بشكل إيجابي منشور واحد قد يعيد لمّ الشمل، أو يفتح بابًا للأمل. 4. تقبّل الندوب والجراح كجزء من رحلتك فكل أثر في الجسد يحمل حكاية... وحين تُروى، تتحوّل إلى مصدر إلهام لا خجل. 5. لا يوجد زمن متأخر لرد الجميل حتى وإن مرّت سنوات، فإن لحظة اللقاء قد تُعيد ترميم ما تهشّم داخل القلب. قصة أماندا وسوزان هي شهادة حيّة على أن الرحمة لا تسقط بالتقادم، وأن الحنان الصادق قد يتجاوز أثره حدود اللحظة، ليصير ذاكرة ممتدة، وعناقًا مؤجّلًا... لكنه صادق كأنما لم يتأخر يومًا.