فى مثل هذه الأيام من عام 2013، خرج الملايين من أبناء الوطن، مطالبين بإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، وإنقاذ الدولة من منزلق خطير كان يهدد هويتها ووحدتها ومستقبلها. لم تكن ثورة 30 يونيو موجة غضب عابرة، بل تعبيرًا عن وعى شعبى عميق، تشكّل عبر شهور من القلق والخوف على الوطن، بعد أن شعرت الجماهير أن الدولة تُختطف لصالح فصيل عقائدى لا يؤمن بفكرة الوطن، بل يراه مجرد محطة فى مشروع أممى يعلو فيه التنظيم على الدولة، والولاء للجماعة على حساب الانتماء لمصر. مثلت الثورة استعادة حقيقية للدولة الوطنية، ورفضًا حاسمًا لمحاولات تفكيك مؤسساتها، وضرب هويتها الثقافية والدينية المعتدلة، التى ظلت تتشكل عبر قرون من التاريخ والحضارة. كما أنها أعادت تعريف الشرعية؛ فالشرعية ليست صندوقًا يُستعمل لمرة واحدة، بل عقد اجتماعى متجدد بين الشعب والحكم، حين يُنقض، تنهض الإرادة الشعبية لتصحيحه. وكان هذا جوهر 30 يونيو. بعد إسقاط حكم الإخوان، بدأت مصر مرحلة جديدة من إعادة بناء مؤسساتها، واستعادة هيبتها، وتحقيق الاستقرار الذى غاب طيلة عام من الفوضى السياسية والإدارية. جاءت تلك المرحلة مصحوبة بخطى جادة نحو إصلاح الاقتصاد، ومحاربة الإرهاب، وبناء مشروعات قومية ضخمة أعادت الثقة فى قدرة الدولة على النهوض من جديد. كما استعادت مصر مكانتها الإقليمية، وبدأت تلعب أدوارًا استراتيجية فى محيطها العربى والإفريقي. كما استعادت مصر هويتها الوسطية، وبدأ المجتمع يسترد توازنه الثقافى والفكري، بعيدًا عن محاولة «أخونة» كل شيء، من التعليم إلى الفنون، ومن القضاء إلى الإعلام. لو لم تقم ثورة 30 يونيو، لكانت مصر اليوم دولة مختلفة تمامًا، وربما مأساوية. كان من الممكن أن تتحول إلى ساحة صراع أهلي، أو مركز لتصدير الفكر المتطرف فى المنطقة. لو استمر الإخوان فى الحكم، لتم تفكيك القضاء، وتطويع الجيش، وتحويل التعليم إلى أداة لغسل الأدمغة، ولرأينا قنوات الدولة تبث خطب الولاء للمرشد لا للرئيس المنتخب. تظل ثورة 30 يونيو علامة بارزة فى التاريخ المصرى الحديث، ومصدر فخر لأجيال عاصرتها. إنها لحظة انحاز فيها الشعب لوطنه، فانتصر.