في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات المرتبطة بانتشار المخدرات عالميًا، وتشعب أشكالها وطرق تصنيعها وتهريبها، يحيي العالم في السادس والعشرين من يونيو اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، كمناسبة لتجديد الالتزام الدولي بمواجهة هذه الآفة المدمرة التي تقوّض المجتمعات، وتهدد صحة الأفراد وأمن الأوطان. وفي هذا الإطار، تؤكد الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب والدول الأعضاء، وفي مقدمتها مصر، عزمها على التصدي الشامل لخطر المخدرات، من خلال سياسات واستراتيجيات متكاملة تُراعي المستجدات الإقليمية والدولية، وتعمل على تجفيف منابع الاتجار غير المشروع، وخفض الطلب، وتعزيز برامج الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل. يمثل هذا اليوم وقفةً حاسمة لتقييم النجاحات، وتحديد الأولويات، وتفعيل التعاون الأمني والمجتمعي، لحماية الأجيال القادمة من سموم المخدرات، التي باتت تتخذ أشكالًا صناعية أكثر خطرًا وانتشارًا، مثل الكبتاجون والكريستال والكوكا الوردي، مما يتطلب استجابة جماعية ومتكاملة على المستوى العربي والدولي مناسبة عالمية هامة تشارك الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب المجتمع الدولي، في 26 يونيو من كل عام، إحياء اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، الذي يشكل مناسبة عالمية لتعزيز الوعي بمخاطر تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بها، وتسليط الضوء على أهمية توحيد الجهود الأمنية، التوعوية، والاجتماعية في محاربة هذه الآفة. وفي هذا السياق، أكدت الأمانة العامة أهمية تعزيز التعاون الأمني العربي المشترك وتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء، نظراً للتحديات المتزايدة المرتبطة بتجارة المخدرات الصناعية والطبيعية، حيث تشير التقارير السنوية إلى ارتفاع ملحوظ في انتشار مخدرات صناعية خطيرة مثل "الكبتاجون"، "الكريستال"، و"الكوكايين الوردي"، إلى جانب إساءة استخدام الكيتامين، الذي تم رصد بدايات تعاطيه في بعض الدول العربية خلال عام 2024. آليات عربية استباقية وفي مواجهة هذه المستجدات، شرعت الأمانة العامة في تنفيذ عدة مبادرات محورية شملت: إنشاء فريق عمل عربي للتبادل الفوري للمعلومات حول المخدرات. إطلاق آلية عربية للإنذار المبكر بشأن المواد المخدرة المستجدة. تأسيس مرصد عربي إحصائي وتحليلي لرصد أنماط التعاطي والاتجار والمواد المخلقة الجديدة، وربطها بقاعدة بيانات موحدة تخدم كافة الدول الأعضاء. مشاريع لمواجهة المواد الكيميائية والسلائف المستخدمة في التصنيع غير المشروع. اقتراح تنظيم "أسبوع عربي سنوي لمكافحة المخدرات" لتبادل الخبرات وتعزيز التوعية. وتُشيد الأمانة العامة بجهود أجهزة مكافحة المخدرات العربية، مؤكدة أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في خفض العرض، بل في خفض الطلب، الذي يقع على عاتق الأسر، المؤسسات التعليمية، الدينية، ومؤسسات المجتمع المدني. مصر.. نموذج إقليمي متكامل وبموازاة هذه الجهود العربية، أكدت مصر التزامها الكامل بتكثيف المواجهة الشاملة للمخدرات، عبر استراتيجية وطنية تمتد حتى عام 2028، أعلن عنها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، بمشاركة 14 جهة حكومية، وتحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد كشفت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط 88 قضية غسل أموال بقيمة 9.5 مليار جنيه، إضافة إلى مصادرة كميات ضخمة من المواد المخدرة، أبرزها 9.5 طن من الحشيش، 550 كجم كوكايين، و12.5 مليون قرص كبتاجون. أما في الجانب العلاجي، فقد توسّعت الدولة في إنشاء 34 مركزًا علاجيًا مجانيًا في 19 محافظة، تقدم خدماتها لأكثر من 170 ألف مريض سنويًا، بالتزامن مع تعزيز دور الخط الساخن (16023) الذي استقبل أكثر من 82 ألف مكالمة خلال العام الماضي. وفي محور الوقاية، تم تدريب 34 ألف متطوع شاب لنشر التوعية بين طلاب المدارس والجامعات ومراكز الشباب، كما تم تنفيذ أكثر من 970 نشاطًا توعويًا بالتعاون مع مبادرة "حياة كريمة". وتفعيلاً لمحور إعادة الدمج، تم تأهيل أكثر من 15 ألف متعافٍ عبر التدريب المهني والدعم الاقتصادي، ضمن مشروع "العلاج بالعمل"، الذي يهدف لتمكين المتعافين اقتصاديًا واجتماعيًا. إشادة دولية واسعة نالت التجربة المصرية إشادة دولية خلال مشاركتها في أعمال لجنة الرقابة الدولية على المخدرات في فيينا، حيث عرض الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة الإدمان، استراتيجية الدولة القائمة على احترام حقوق الإنسان، والدمج بين العلاج، التمكين، والوقاية. كما كانت مصر من أوائل الدول التي تطبق مبادرة CHAMPS العالمية لحماية الأطفال من المخدرات، بالشراكة مع الأممالمتحدة. مسؤولية جماعية مشتركة وفي هذا اليوم العالمي، تؤكد الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، والدولة المصرية، أن المعركة ضد المخدرات لا يمكن أن تُكسب إلا بتكافل الجميع: الأسرة، المدرسة، الإعلام، والمؤسسات الدينية، إلى جانب أجهزة إنفاذ القانون. فالمخدرات لا تهدد صحة الإنسان فحسب، بل تمزق نسيج الأسرة، وتُمول الإرهاب، وتعوق التنمية، وتهدد الأمن القومي العربي. وتبقى الوقاية والتوعية حجر الزاوية في خفض الطلب على المخدرات، وحماية النشء من هذه السموم. إن بناء مجتمع عربي خالٍ من المخدرات هو هدف نبيل، ومسؤولية جماعية، وأمل تتشارك فيه جميع الأوطان.