في غضون القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، انتشرت ظاهرة «الفتوة». هذا اللقب كان يُطلق على الشخص القوي، الذي يمتلك سلطة السيطرة على المناطق والأحياء، وبسط نفوذه وسط حشد من أتباعه، ممن يمتلكون صفات «الولاء والطاعة» لأوامر كبيرهم أو «فتوتهم». المسار الطبيعي لدور «الفتوة» هو نُصرة المظلوم، ومساندة الضعيف، أمام أي مخاطر يتعرض لها، ولكن بعض «الفتوات» ضربوا بتقاليد الفتونة عرض الحائط، واستغلوا نفوذهم ضد «الغلابة» بفرض «إتاوات» مقابل حمايتهم، ومن يرفض الدفع يكون مصيره الهلاك. ◄ قرارات عنترية في مقدمة حديثي، لم أقصد العودة لعصور انتهت منذ مئات السنين، وإنما تعمدت وصف سياسية الرئيس الأمريكي «المتغطرس» دونالد ترامب، الذي يقوم في عصرنا الحديث بدور «الفتوة»، منذ توليه الفترة الثانية لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية. أراد الرئيس الأمريكي، في بداية ولايته، أن يوجه رسالة مضمونها أن العالم له «كبير»، وعلي الدول الراغبة في العيش بسلام، أن تقدم فروض الولاء والطاعة ل«ترامب الفتوة»، وهو ما ظهر جليًا، عندما أصدر قرارات «عنترية» بفرض رسوم جمركية على جميع الدول، وتطبيق سياسة الأمر الواقع، وأظهرت تلك القرارت النوايا الخبيثة لترامب، في إنهاك اقتصاد الدول خاصة النامية، والتي ستضطر إلى رفع أسعار السلع والخدمات، وهو ما يؤدي إلى حدوث غضب شعبي داخلي، في العديد من الدول، قد تكون له تداعيات مُقلقة على استقرارها. وفي خضم العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، ظهر الوجه القبيح ل«ترامب»، عندما أعلن بشكل مُطلق، عن دعمه غير المحدود لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في حرب الإبادة الجماعية بحق غزة، ومد إسرائيل بشُحنات عسكرية، لقتل النساء والأطفال. ◄ استنزاف أموال الخليج التهديد الذي أطلق «ترامب» لحركة حماس، بأن الشرق الأوسط سيتحول إلى كتلة نار، حال عدم إعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، كان بمثابة «كارت إرهاب»، لمضاعفة الضغوط على حركة المقاومة لإعادة الرهائن، ولكن «حماس» المدعومة من إيران، لم ترضخ لتهديدات «ترامب الفتوة»، ووضعت شروطًا لإطلاق صراح الرهائن على دفعات، مقابل اتفاق يضمن وقف إطلاق النار في غزة بشكل نهائي. وأظهرت الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي لدول الخليج، ما ذكرته من مساعي ترامب لفرض السيطرة، وأطماعه في ثروات دول الخليج، ولم يخف ترامب ذلك، بل أطلق تصريحات علنية بأن دول الخليج لديها أموال طائلة وتنعم بحماية الولاياتالمتحدة، لذلك لابد أن تدفع مقابل أمنها واستقرارها. فشاهدنا قطر تهدي ترامب طائر رئاسية قيمتها 400 مليون دولار، أيضا أبرمت السعودية اتفاقيات مع الإدارة الأمريكية بمبالغ تخطت تريليون دولار، وسار على ذلك النهج باقي دول الخليج، التي زارها ترامب، أو استقبل حكّامها في الولاياتالمتحدة. ◄ دبلوماسية مصر تجهض مخططات ترامب أمام «فتونة ترامب»، تعاملت مصر بدبلوماسية شديدة، وأظهرت قوة ليست بالمال، وإنما بإرادة وحنكة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استطاع إجهاض مساعي ترامب، بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وسط إرادة شعبية مصرية، والتفاف جماهيري خلف الرئيس السيسي، وانكسرت «فتونة ترامب» أمام الإرادة المصرية الصلبة، وأصبح مخطط التهجير في خبر كان. ولم تكن قناة السويس «المصرية» بمنأى عن أطماع ترامب، بل طالب بإعفاء السفن الأمريكية العابرة للقناة، من سداد الرسوم، بحجة أن الولاياتالمتحدة تشن حربًا على الحوثيين، للدفاع عن القناة، وهو ما قوبل أيضا برفض تام، ولكن بطرق دبلوماسية، عكست القدرات الفائقة للقيادة المصرية، على مواجهة الأزمات دون الدخول في عداء مع أحد. ولا شك أن التحولات السياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، السبب الرئيسي وراءها هو الرئيس الأمريكي، الذي أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لفتح جبهات قتالية ضد حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، واستهداف سوريا وتدمير قوتها العسكرية، بعد سقوط بشار الأسد، وأخيرًا وليس آخرًا إيران، التي قصفتها إسرائيل، بهدف إجهاض مشروعها النووي. أيضا وجهت الولاياتالمتحدة ضربات عسكرية، للمنشآت النووية الإيرانية، بأوامر من «ترامب». ◄ راعي السلام المزيف بعد قصف البرنامج النووي الإيراني، خرج ترامب معلنًا انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران، وكأنه يمتلك «زر» يضغط عليه لإشتعال الحرب وإيقافها كيفما يشاء. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يتدخل ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، طالما أنه يمتلك سلطة القرار؟. الإجابة على هذا السؤال ليست صعبة، وهي دعم الرئيس الأمريكي المطلق لإسرائيل، في القضاء على حركة حماس، وتهجير الفلسطينيين، والاستيلاء على أرض غزة، لتنفيذ مخطط «إسرائيل الكبرى». الغريب أن «ترامب» يدّعي أنه راعي السلام في العالم، والمثير للسخرية أن باكستان رشحته لنيل جائزة نوبل للسلام. وأمام ذلك، نرى قرارت وتصريحات للرئيس الأمريكي، تكشف كذب ادعاءاته، بل تؤكد أنه الراعي الرسمي للعنف، والمُحرض الرئيسي على إشعال الحرب في الشرق الأوسط، لخلق حالة من عدم الاستقرار تصب في النهاية لصالح إسرائيل.