في الوقت الذي يعتقد فيه كثيرون أن السجائر الإلكترونية تمثل "الخيار الأخف ضررًا" مقارنةً بالسجائر التقليدية، تأتي دراسة علمية حديثة لتقلب هذا التصور رأسًا على عقب، محذّرة من آثار خفية قد تكون أكثر خطورة، خصوصًا على صحة الفم ، هذه الدراسة تلقي الضوء على مخاطر لم تكن معروفة من قبل، وتدعو إلى مراجعة شاملة للمفاهيم السائدة حول سلامة هذه المنتجات. - دراسة رائدة تكشف المستور نُشرت في يونيو الحالي دراسة رائدة في المجلة الدولية "Journal of Pharmacy and Bioallied Sciences" (مجلة علوم الصيدلة والعلوم الحيوية المتحالفة)، لفريق بحثي من جامعة الخليج الطبية في عجمان بالإمارات العربية المتحدة. قادت هذه الدراسة البروفسورة سرى فؤاد البياتي، بمشاركة الدكتورة دانية كمال صالح والفريق البحثي. بيّنت الدراسة أن العديد من المفاهيم المرتبطة بسلامة استخدام السجائر الإلكترونية بحاجة إلى مراجعة جذرية، خصوصًا فيما يتعلق بتأثيرها على صحة الفم والأنسجة المحيطة بالأسنان. - داخل قاعات الدراسة الجامعية: منهجية البحث أجرى الباحثون دراسة مقطعية تحليلية على عيّنة من 100 طالب وطالبة، وكان نصف المشاركين من مستخدمي السجائر الإلكترونية فقط، دون أي تاريخ سابق في تدخين التبغ التقليدي، في حين شكّل النصف الآخر مجموعة ضابطة من غير المدخنين تمامًا. طُلب من الطلاب ملء استبيان دقيق حول مشاعرهم وتغيراتهم الصحية بعد البدء باستخدام السيجارة الإلكترونية، ثم خضعوا لفحص سريري شامل، تلاه جمع مسحات من بطانة الفم واللسان لتحليلها مجهريًا، بحثًا عن أي مؤشرات خلوية تدل على تغيرات مرضية أو التهابية مبكرة. - نتائج صادمة: المجهر يكشف آثارًا خطيرة أظهرت الدراسة أن 62% من مستخدمي السجائر الإلكترونية يعانون من جفاف الفم، مقارنة ب30% فقط من غير المدخنين. كما سجّل الفريق البحثي معدلات أعلى من الشعور بلزوجة غير مريحة داخل الفم، وانبعاث رائحة كريهة لدى مستخدمي السيجارة الإلكترونية. - لكن الأخطر لم يكن في الأعراض الظاهرة، بل فيما كشفه المجهر: * رُصدت خلايا فموية تحتوي على نواتين بدلًا من واحدة، وهي سمة خلوية غير طبيعية تُثير القلق. * لوحظت زيادة في حجم نواة الخلية، وارتفاع في نسبة حجم النواة إلى السيتوبلازم؛ وهما من المؤشرات المعروفة التي يستخدمها اختصاصيو علم الخلايا للكشف عن احتمالية التحول السرطاني المبكر. * كما ظهرت في عدد من العينات أجسام دقيقة تُعرف بالميكرونوكلياي (micronuclei)، وهي شظايا نواة معطوبة تُشير إلى تلف جيني مبكر داخل الخلايا، وهو ما يعدّ ناقوس خطر على المستوى الجزيئي. - لماذا تُعد هذه النتائج مقلقة؟ تُعد هذه النتائج مقلقة إلى هذا الحد لأن التغيرات التي رُصدت لا تُرى بالعين المجردة، ولا يشعر بها المستخدم عادةً، لأنها بلا ألم، ولا نزيف، ولا حتى تقرحات. ومع ذلك، فإنها تنمو في الخفاء؛ تغيرات خلوية صامتة قد تُشكّل أرضية خصبة لأمراض فموية مزمنة، أو ما هو أخطر من ذلك بكثير. أوضحت البروفسورة سرى فؤاد البياتي، الباحثة الرئيسية في الدراسة، أن هذه التجربة تُعد من الدراسات القليلة في المنطقة التي تجمع بين التحليل السريري والفحص الخلوي لمستخدمي السجائر الإلكترونية. وقالت في تصريح لوسائل الإعلام: "ما رأيناه تحت المجهر يُشبه بشكل مقلق ما نرصده لدى مدخني التبغ التقليدي، وهذا يُفنّد بشكل واضح الاعتقاد الشائع بأن السجائر الإلكترونية آمنة تمامًا." - لا رائحة... لكن الأثر عميق ما يُغري في السجائر الإلكترونية هو غياب الدخان الأسود ورائحة الاحتراق، فيبدو استخدامها مأمونًا في البيوت والقاعات الجامعية والمقاهي، غير أن ما لا يراه الناس هو ما يحدث على مستوى الخلايا: تغير بطيء، صامت، يتسلّل إلى بنية الفم، وقد لا يُكتشف إلا بعد أن يكون الأوان قد فات. لم تكتفِ الدراسة برصد هذه المؤشرات المقلقة؛ بل وجّهت نداءً صريحًا إلى السلطات الصحية لإطلاق حملات توعية مكثّفة، وحثّت المجتمع العلمي على إجراء دراسات طولية تتعقّب الأثر التراكمي لهذا "الدخان بلا دخان". - انتشار مقلق في صمت ليست السجائر الإلكترونية ظاهرة غربية فقط، ففي العالم العربي، بدأت تنتشر بسرعة مقلقة، خاصة بين فئة الشباب. * في السعودية، تُشير الدراسات إلى أن أكثر من ثلث الشباب الجامعي (نحو 36.6%) استخدموا السجائر الإلكترونية، فيما سجّلت بعض العينات أرقامًا صادمة تجاوزت 70% في فئات عمرية محددة. * وفي الإمارات، تجاوزت النسبة 38% بين طلاب الجامعات. * أظهرت دراسات أردنية أن الاستخدام بين الشباب تراوح بين 12% و39%. * وفي مصر، قفزت النسبة إلى ما يقارب 58%، وسط انتشار واسع بين الذكور. ورغم غياب اللهب والدخان الكثيف، فإن هذا "الدخان الرقمي" يجد طريقه بسهولة إلى البيوت والمقاهي والفصول الدراسية، مدفوعًا بوهم الأمان وعبَث التسويق عن مختلف النكهات، وتؤكد الأرقام أننا لا نواجه مجرد "موضة شبابية عابرة"، بل تحول سلوكي صامت، يُهدّد جيلًا كاملًا من الداخل. تفاصيل الدراسة * العنوان: "The Impact of Electronic Cigarettes on Oral Health: Analytic Cross-Sectional Study" * الباحثون: د. سرى فؤاد البياتي (باحثة رئيسية)، د. شذى صباح الشربتي، د. إيمان هلال إبراهيم، د. سونيل بيلاپا، د. دانية كمال صالح. * المؤسسة: كلية طب الأسنان - جامعة الخليج الطبية، عجمان - الإمارات العربية المتحدة. * المجلة: "Journal of Pharmacy and Bioallied Sciences" (مجلة علوم الصيدلة والعلوم الحيوية المتحالفة).