قلوبنا مع حمام السلام الذى تتساقط أشلاؤه على أمواج الدم التي تشق طريقها فى المنطقة، فبينما تعمل إسرائيل على إسقاط حمامات السلام فى كل الأنحاء، تحاول أمريكا، بجلال قدرها، صيد حمامة إيرانية بصاروخ فرط صوتي، المشهد كما أراه عبثى، ومسخرة لدرجة الموت، ولن ينتهى بإسرائيل الآمنة المطمئنة التي لاتقهر، ولا بأن تعود أمريكا عظيمة كما كانت، فالنار سوف تحرق الجميع، ولن تسلم الولاياتالمتحدة ولا إسرائيل من العقاب. نستطيع أن نقضى الوقت فى مناقشة أهداف الألعاب النارية المميتة التى لمعت بها السماء فى العرض الإسرائيلي الأمريكي المشترك، أو اللعب المنفرد لكلٍ منهما، ربما يرون أن الفرصة سانحة لتمهيد المنطقة لتتزعمها تل أبيب، وإخماد مصادر القلق المعادية لها، أو هكذا يتصورون أن الأجواء مناسبة لتطبيق «خطة ينون» بالكامل لتمهيد الجغرافيا السياسية المحيطة بإسرائيل لضمان هيمنتها عليها، ربما نجحت أمريكا أخيرا فى تحقيق هدفها القديم الذي جاهر به يوما ما بريجنسكي مستشار الأمن القومى أيام كارتر، بتصحيح أخير ونهائى لحدود «سايكس بيكو»، والتقدم خطوة فى طريق موازٍ لخنق موسكو، والأمر طبعا ليس بسيطا كما يتصور البعض، فهو بالفعل معقد، وكل خطوة فيه تتم بحسابات دقيقة، ولكنه لا يخلو من الهفوات وأخطاء من الوارد حدوثها فى التقديرات، ومن هنا تذكرنا الجيوبولتيكا بالكثير من الأمور، فالمعادلات قد تبدو صحيحة جدا، ولكنها تخضع لقوانين الطبيعة ومتغيرات الكون وإرادة الخالق، وأنا من المؤمنين بأنه لولا دفع الله الظالمين بعضهم ببعض لفسدت الأرض، وأن القوى سيضعف، وأن الدول، كما قال راتزل وهاوسهوفر ومن قبلهما ابن خلدون، لها دورة حياة تبدأ بالميلاد وتنتهى بالموت، ولايعلم أحد متى يأتى أمر الله بشأن أمريكا وإسرائيل، كما سبق وشاهدنا موت الاتحاد السوفييتى، خاصة أن الدولتين قد أسسهما مجرمون لهم تاريخ عتيد فى الإبادة العنصرية واغتصاب الدول وارتكاب المجازر الجماعية، ولمجرد الإشارة، فجورج واشنطن المؤسس الأول للجمهورية الأمريكية، وعلى اسمه كان اسم العاصمة ومواقع كثيرة، لم يكن سوى مجرم حرب وتاجر عبيد، ولم أستغرب عندما كنت أقرأ وأتابع أخبار التنكيل بتماثيله فى أمريكا نفسها، مصحوبا بأقسى الشتائم، وبالتالى فأساسهم لا أخلاقى وإجرامى، ومثل ذلك البناء لا يمكن أن يدوم ما لم يصحح من مساره. ما أريد أن أقوله إنه برغم الحسابات الدقيقة تحدث الأخطاء وتتم الثغرات، ومنها على سبيل التذكرة، أنه ومهما كان خط بارليف منيعا والتسليح فظيعا، فقد جعله المصريون ركاما فى حرب 1973، وحتى مع تفوق أمريكا فى كل شىء، فقد خرجت من فيتنام ومناطق أخرى، و«نفدت» بجلدها عارية مجروحة فى كرامتها وكبريائها، وقد سبق وحاولت بريطانياوفرنسا ومعهما إسرائيل، تأديب مصر فى حرب 1956، فبزغت زعامة مصر وعبدالناصر، وأفلت شمس فرنساوبريطانيا، وظهر النظام العالمي الجديد، وأعتقد أننا أمام شروق جديد لعالم جديد ظهرت مقدماته فى الترنح أمام فيروس ضعيف مجهول، جعل كل البشر سجناء منازلهم، ولم يعد السلاح النووى هوالرعب الوحيد، فقد تعددت أسلحة الدمار الشامل الرخيصة، بكل ما يتضمنه من وسائل الردع القذر، كما ظهرت مفاهيم جديدة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وماتبعه من رد إيرانى، وهو نقل الصراع إلى داخل إسرائيل نفسها، كما يمكن أيضا نقل الصراع إلى الداخل الأمريكي، وما أصعب ذلك على العالم كله. لا أستطيع التنبؤ بما ستحمله الأيام القادمة، ولكن يمكننى حمل الدعوة الدائمة التى تلح فيها مصر على أهمية اللجوء إلى الطرق السلمية لحل النزاعات، وهكذا كان موقف مصر الدائم والثابت الذى يشدد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي والخارجية المصرية، ومن هنا انطلق نداء القاهرة بضرورة العمل على وقف التصعيد الجارى بين إسرائيل وإيران، وضرورة العودة لمائدة التفاوض حقناً للدماء، بهدف التوصل لحل سلمى مستدام لهذه الأزمة، لأنه لا حلول عسكرية لها، وتحذيرها من التبعات الجسيمة لتوسع دائرة الصراع فى المنطقة، وكذلك ضرورة العمل على وقف إطلاق النار فى غزة، وإنفاذ المساعدات، والتشديد على أنه لا سبيل لضمان الاستقرار المستدام، سوى من خلال حل عادل وشامل ونهائى للقضية الفلسطينية، بتطبيق حل الدولتين وفقاً لمرجعيات الشرعية الدولية. أتمنى أن تستمع العواصم المعنية لصوت مصر، وأن تضعه فى سياق حساباتها، لأن استمرار الحالة الضبابية الحالية، ليس فى مصلحة أحد، فلن يكون للاستقرار مكان فى إقليم تملؤه المؤامرات والنزاعات ومحاولات الهيمنة وتمدد المجالات الحيوية، وإعادة تعيين معالم الجغرافيا السياسية للمنطقة، فى زمن تغيرت فيه الكثير من المعادلات، حتى الأسلحة نفسها اختلفت، وميادين الصراع والتوتر قابلة للانتقال إلى ميادين أخرى غير متوقعة . ودائما ودوما وأبدا.. تحيا مصر ◄ بوكس الشعب والجيش حصن أمان مصر.