كثير من أفذاذنا، وروادنا، والملهمين فينا، وقعوا ضحية القراءة الاختزالية لتراثهم، والتقييم القاصر المبنى على جانب من منجزهم، دون سائر الجوانب التى يمكن أن تكون أكثر أهمية، وفرادة، وأصالة من تلك المسلطة عليه الأضواء. فعميد الأدب العربى الرائع طه حسين اختزلناه فى «الأيام»، و«على هامش السيرة»، و«الفتنة الكبري»، و«دعاء الكروان»، و«فى الشعر الجاهلي»، وبعض الآثار الأخرى، ولم نلتفت بالقدر الكافى واللازم إلى معظم بصماته الخالدة الأخرى، ومنها دراسته الفذة عن رائد علم الاجتماع، وفلسفة التاريخ «ابن خلدون»، إلى جانب كتبه التى تناولت شخصية أبى العلاء المعرى، وقد اشتهر منها واستأثر بالضوء كتابه «مع أبى العلاء فى سجنه» دون كتابيه الآخرين: «تجديد ذكرى أبى العلاء»، و«صوت أبى العلاء»، فضلا عن مختاراته من الأدب الإغريقى، ودراسته عن نظام «الأثينيين»، وكذلك الحال مع «توفيق الحكيم»، و«سعد مكاوي»، وأيضا «نجيب محفوظ»، و«يوسف إدريس»، ولنا بإذن الله تعالى عودة إليهم لتفصيل ذلك. وهناك بلا شك عملاق أدبنا العربى المرفرف حتى فى غيابه «عباس محمود العقاد»، فقد بدا مثلا صارخا على التقييم الانتقائى القاصر الناتج عن القراءة الاختزالية لتراثه الخصب، ومنجزه الحافل، حيث حصره كثير من قرائه ومتابعيه فى سلسلة «العبقريات»، وفى تراجمه للشخصيات الفذة، مهملين تلك الجوانب المذهلة فى عطائه، وقد لا يتسع المقام لإيراد كثير منها، ولكن مشروعه لاستشراف المستقبل وفق نهج علمى، وبصيرة ناقدة نافذة، لم يحظ بالاهتمام، ويتجلى ذلك بوضوح فى كتابه «القرن العشرون.. ما كان وما سوف يكون»، وهو كتاب لم يطلع عليه إلا القليلون -للأسف- على الرغم من أهميته، وكذلك كتابه «عقائد المفكرين فى القرن العشرين»، فضلا عن ترجمته الخلابة للشعر والقصة فى كتابيه: «عرائس وشياطين»، و«ألوان من القصة»، وهناك الكثير من العلامات المنسية فى تراث «العقاد» الخالد، لا يتسع المجال للحديث عنها، ولكن ربما يتسنى ذلك فى مقالات مقبلة بإذن الله.