سمراء حمراء كزهرة القرنفل، قوامها فارع على جبينها أحلام، وفي صدرها شيطان لاينام، تقاطيع وجهها تحمل حنانا يخفيه مسحة حزن ويعطيان تقديرا أكبر لسنها. وشيئ ما بداخلها يهب كالعاصفة، عاصفة تقطع من نفسها جذور الأمل وغمامة اليأس المرير، لحظات حتى انسلخت حالتها من الحزن والهم وهي واقفة داخل محكمة زنانيري للأحوال الشخصية، تطلب الخلع من زوجها الذي وصلت معه لطريق مسدود، وبعد أن اكتشفت انه صاحب مزاج. اقرأ ايضا| الزوجة للمحكمة .. إلا شرفي! وبخطوات مثقلة، وكأنها تجر خلفها أيام تصرخ من قسوة سنواتها الماضية، وقبل أن تتوجه إلى مكتب تسوية المنازعات تطلب الخلع من زوجها الذي رفض تطليقها، اقتربت منها استأذنها للحديث معي قالت ان أهلها وجيرانها يلقبونها "بطة" وهي أم لثلاثة بنات ولم تكن تتخيل أنه سيجيئ يوم وتذهب إلى المحكمة لكن المضطر يركب الصعب. وبصوت يجأر بالشكوى والمرارة تكتمها بين جوانحها تقول: «لقد تزوجت في سن مبكرة، واعتقدت أن زوجها سيكون هو فارس احلامها، لكن أتت الرياح بما لاتشتهي السفن، حيث الزوج صاحب مزاج ينفق كل نقوده على شراء الحشيش، ويخفي مايتبقى من النقود داخل ثقب حفره بحائط إحدى غرف شقة الزوجية، والذي اكتشفته، وكانت تحصل على النقود وتهرول مسرعة لشراء احتياجات المنزل من طعام وشراب، لاطعام بناتها الثلاثة، ولكنها كانت تنتظر أن يغط في نوم عميق وتقوم بتفتيش علبة السجائر الخاصة به فتجده يخفي بداخلها نقودا ايضا، وعندما يستيقظ من نومه يقوم ببعثرة كل محتويات الشقة بحثا عن النقود وتنشب بينهما مشادة كلامية، وتخبره بأنها هي التي أخذت النقود». اقرأ أيضا| زوج للمحكمة.. ليلة زفافي أسود ليلة في حياتي!! تحملت وتحلت بالصبر على أن تأتي الأيام بجديد لكن دون جدوى، وترى بناتها الثلاثة اللاتي اشتد عودهن، ووصلت معه إلى طريق مسدود، واحتدمت الخلافات بينهما، وطلبت منه الطلاق لكنه رفض، فما كان منها إلا أن بحثت عمل، وبالفعل عملت بأحد مصانع البويات، وفي الفترة المسائية تذهب إلى مصنع آخر للملابس، واستطاعت أن تثبت قوة شخصيتها وقدرتها على تخطي الصعاب في أصعب الظروف. وبمرور الأيام والسنوات اتخذت عملا آخر هو مجالسة كبار السن من السيدات تقوم على خدمتهن ورعايتهن رعاية كاملة، وتشرف على تناول الأدوية لهن في ميعادها، ونجحت في شراء جهاز ابنتها الكبرى التي تستعد للزفاف، ورفضت أن يمد لها أي شخص يد العون، رافضة أن ترى نظرات العطف، حيث لجأ اليها أحد شيوخ المساجد بالمنطقة التي تقطن بها وبعد أن تردد على سمعه عزة نفسها، وطلب منها أن تقوم بإعداد وجبة الإفطار والسحور للمصلين في رمضان مقابل أجر، ونصيب لها ولبناتها من هذا الطعام ويدعمها بالخضروات واللحوم. وبعد حصول "بطة"، على الخلع لازالت تعمل وكأنها تسير على الصراط كي تحصل على المال الحلال ويكفيها أن ترى ابتسامة بناتها اللاتي احتضنتهن ولم تتركهم بالرغم من عروض الزواج التي تقدم بها كثير من رجال الحي.. وفي نهاية الحديث وببلاغة غير مسبوقة قالت "بطة" إن الحياة لاتحترم إلا المرأة القوية التي لاتكسرها التجارب الفاشلة بل تبنيها.