لعظم مكانة الأوطان وقدسيتها عند الله سبحانه وتعالى، أقسم بها فى محكم كتابه، فقال عز وجل: «لا أقسم بهذا البلد». فهذه الآية تؤكد على المنزلة الرفيعة التى تحتلها الأوطان فى ديننا الحنيف.. والحفاظ على الأوطان ليس مجرد شعارات، بل هو مسئولية عظيمة وواجب دينى.. هذا ما أكد عليه العلماء مطالبين بالاستعداد الدائم لحماية الوطن. يشير د. محمد إبراهيم العشماوى أستاذ الحديث بجامعة الأزهر إلى قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم» بما تعنيه من ضرورة أن نكون دائمًا فى مرحلة إعداد واستعداد، والدخول فى سباق التسلح، وعدم انتظار بغتة الحرب وأن ما استطعتم من قوة تشمل جميع أنواع القوة المستطاعة، عسكريًا، واقتصاديًا، وعلميًا، ومعلوماتيًا، وتكنولوجيًا، ومن رباط الخيل أى: من جميع أنواع الخيل المرابطة: خيل الحرب، وخيل الاستخبارات والمعلومات، وخيل الاقتصاد، وخيل البحث العلمى، وخيل التطور التكنولوجى. اقرأ أيضًا | مواسم الطاعات لا تنتهى |العلماء: العبادة «منهج حياة» والثبات عليها شعار المؤمنين وترهبون به: أى تخيفون بهذا الإعداد المستمر، كى يبقى عدوكم فى حالة خوف دائم منكم، فالاستعداد الدائم للعدو قوة ردع له، وإيقاع الرهبة فى قلوب الأعداء المعلومين أو المحتملين؛ من مقاصد الحرب فى الإسلام، وعدو الله وعدوكم: أى الذين جمعوا بين عداوة الله وعداوتكم، فهم أعداء الدين والدنيا، من المعلومين لكم، الظاهرين، غير الأخفياء وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم: الأعداء الأخفياء، الذين يُظهرون لكم الصداقة، وهم فى الحقيقة أعداء، يسارعون فى هوى أعدائكم، ويستترون فى عداوتكم. ويشدد على أن القوة شىء عظيم، يحفظ الكرامة، ويرفع الهامة، ويدعو إلى الحسم، ويرهب الخصم، ويزيله من أمامك، ويجبره على احترامك وأنه لا مكان للضعفاء، فى زمان لا يعترف إلا بالقوة والأقوياء. يؤكد د. رمضان الصاوى، نائب رئيس جامعة الأزهر، أن النبى يعد نموذجًا يحتذى فى الدفاع عن الوطن، ويتجلى ذلك بوضوح فى غزوة الخندق، حيث أمر بحفر خندق حول المدينةالمنورة لحمايتها من الأعداء، مما يدل على حرصه الشديد على أمن وطنه واستقراره. وأشار إلى أن حماية الأوطان فى وقت الحروب والأزمات تستلزم التضحية بالنفس وبذل كل غال ونفيس فى سبيل حماية الوطن ومقدساته. كما أوضح أن الدفاع عن الأوطان لا يقتصر على وقت الحروب والأزمات، بل يمتد ليشمل أوقات السلم أيضًا. ففى وقت السلم، يكون الدفاع بإتقان العمل وتحسين الصناعة. ويوضح أنه لا يقل أهمية عن ذلك التصدى للشائعات التى تهدف إلى زعزعة استقرار الوطن. ويؤكد د.على مهدى، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن الوطن يتجاوز كونه مجرد بقعة جغرافية نعيش عليها، لأنه النسيج الذى يشكل طفولتنا وذكرياتنا ويربطنا بعلاقاتنا وانتماءاتنا. هذا الارتباط والحب الوثيق للوطن يشبهه الله تعالى فى القرآن الكريم بنزع الروح من الجسد، كما بينه فى قوله تعالى: «ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم»، فقد ساوى الله سبحانه وتعالى الخروج من الوطن بنزع الروح، وهذا التشابه يحمل دلالة قوية على عمق العلاقة بين الإنسان ووطنه وأهمية الوطن فى حياة الإنسان. ويوضح أن حب الأوطان امتد ليشمل الأحكام الشرعية فى الفقه الإسلامى، فقد رتبت الشريعة الإسلامية على الارتباط بالوطن أحكامًا شرعية مهمة منها أنه عند إخراج زكاة المال، يستحب البدء ببنى الوطن، لأنهم يرون هذا المال ويشاركون فى ثمراته، فكان لهم حق فيه. ويشدد على أن حب الأوطان ليس مجرد كلمات رنانة أو أشعار بل هو شعور أعمق وأقدس من ذلك بكثير. إنه تضحية حقيقية بالدم والمال وكل غال ونفيس فى سبيل رعاية حقوق وحرمات هذه الأوطان. كما أن هذه التضحية لا تعرف سقفًا ولا حدودًا، فالوطن الذى لا يُعظم ولا يسود الأمن والاستقرار فيه، ولا تُراعى فيه الحرمات، لا يشعر الإنسان بالأمان فيه، لأن الأمن يعد الركيزة الأساسية التى تقام عليها الشعائر وتصان الحقوق وتحفظ الحرمات. فلا يمكن لشىء من ذلك أن يتحقق لولا وجود وطن لديه أبناء يدافعون عنه أمام الأعداء ويبذلون كل ما فى وسعهم من أجل رفعته. ويوضح د.هانى عودة، مدير الجامع الأزهر، أن نبينا الكريم محمد قد غرس فينا حب الأوطان وأمرنا بالدفاع عنها، فقال: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد». ومن مات من المسلمين دفاعًا عن وطنه، فإنه مات يدافع عن جميع هذه الأمور أو دفاعًا عن بعضها. لذا فإن الدفاع عن الوطن فريضة شرعية تقتضى من كل منا أن يكون على وعى تام بالمخاطر والمؤامرات التى تحاك ضد بلادنا. ويشير إلى أن أعداء الإسلام منذ زمن بعيد يدركون أن إضعاف الأمة والقضاء عليها يكون بإحداث الفرقة والشقاق بين أبنائها، مما يسهل عليهم السيطرة على الأوطان والمقدرات.