الدكتور أسامة الأزهري يعلن إطلاق منصة وزارة الأوقاف الرقمية الجديدة    مدير تعليم الفيوم يشهد فعاليات النشاط الصيفي بمدرسة فاطمة الزهراء الإعدادية    إزالة 7441 حالة تعدٍ خلال أسبوع    ميناء السخنة يستقبل سفينة تغويز عملاقة وينجز 3 عمليات بحرية استراتيجية خلال أسبوع    وزير الإسكان يبحث التعاون مع شركة «Guardian Glass» العالمية    السفارة الأمريكية في إسرائيل: نعمل على إجلاء المواطنين الأمريكيين الراغبين في المغادرة    الرئيس الصيني: يحيط بإيران 20 قاعدة أمريكية بينما يحيط بنا 300    مصادر طبية فلسطينية: 57 شهيدًا بنيران الاحتلال في قطاع غزة منذ فجر اليوم    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تمارس «هندسة إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين وسط صمت دولي    ليفربول يجدد عقد حارسه جاروس ويُعيره إلى أياكس لموسم واحد    مانشستر سيتي يتقدم على الوداد في الشوط الأول بمونديال الأندية    بعد شائعات الخلاف مع ميدو.. عبد الواحد السيد يكشف ل"أهل مصر" كواليس طلبه الحصول على إبراء ذمة مالية    مصرع مواطن وإصابة آخر في حريق بسوهاج    قرار قضائي بشأن محاكمة 43 متهمًا في "حزب الاستقلال" الإرهابي    «مصر ترسم وتقرأ» تكريم الفائزين بالمسابقة فى السامر    فيروز مكي عن تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل: هل اقتربت حرب كسر العظام؟    مينا مسعود يروج لحلقته مع منى الشاذلي بعد عرض فيلمه «في عز الضهر» (مواعيد وقنوات العرض)    من الطفولة للحظات الأخيرة قبل الانهيار.. نور الشريف يتصدر الترند بسبب المنزل الذي نشأ فيه    تعرف على سبب بكاء يسرا في أحدث ظهور لها (صور وفيديو)    خالد الجندي يوضح الفرق بين قول "بإذن الله" و"إن شاء الله"    مفتاح أسوان ل «مجدى يعقوب»    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    استقرار الأسهم الأمريكية قبل إعلان قرار مجلس الاحتياط    نقيب المحامين يحذر حكومة الانقلاب : «الرسوم القضائية» غير قانونية وتمثل عبئًا غير محتمل على المواطنين    مشروعات تعليمية جديدة في قويسنا ومنوف لدعم المنظومة التعليمية    انطلاق تصوير مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو" خلال الأيام المقبلة    بيراميدز يقترب من خطف صفقة الأهلي والزمالك (تفاصيل)    جيهان مديح: مصر ستظل دائمًا القادرة على جمع الصف العربي والإسلامي    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر2025    مصطفى يونس يهاجم ريبيرو بسبب زيزو.. ماذا قال؟    سقوط ديلر مخدرات شبرا الخيمة في قبضة مباحث القليوبية    الإعدام لربة منزل لاتهامها بقتل أم ونجلها بالقليوبية    ضبط 15 ألف عبوة مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    لتصوير السيدات داخل دورة المياه.. القبض على عامل بكافيه في الدقي    منتخب مصر يفوز على السعودية في افتتاح بطولة العالم لشباب اليد    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع «سترة» بعد تسليمه للمستفيدين    ملتقى القضايا المعاصرة بالجامع الأزهر: الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى استعادة تماسكها وتوحيد كلمتها    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تعرف علي ضوابط إصدار تراخيص إنشاء المواقع الإلكترونية    مدينة الدواء تطلق الموجة الثانية من برنامج Partners في الزقازيق    لأصحاب برج الأسد.. اعرف حظك في النصف الثاني من يونيو 2025    البورصة المصرية تربح 1.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    ضبط 79 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات مكثفة على الأسواق بالفيوم    حماة الوطن: منفتحون على التحالف مع غيرنا من الأحزاب    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    ما حكم الصلاة الجهرية بالقراءات الشاذة؟.. الإفتاء تجيب    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    وكيل لاعبين: الزمالك أهدر 300 مليون جنيه من صفقة انتقال "زيزو" ل نيوم السعودي    تراجع تاريخى.. أسعار الرحلات بين أوروبا وأمريكا تصل لأدنى مستوياتها    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| 96 شمعة يضيئها عشاق الأسطورة الموعود بالعذاب والمجد
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 18 - 06 - 2025

يضىء عشاق العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بعد غد 96 شمعة فى ذكرى ميلاده الذى لم يكن يحب الاحتفال به وكان يهرب منه، ولا يحب أن يتذكره كما قال للإعلامى وجدى الحكيم عندما سأله عن اليوم الذى لا يحب أن يتذكره فقال بنبرة كلها حزن ومرارة: «ما بحبش أتذكر يوم ميلادى لأن بسبب هذا اليوم أمى توفت بعد ما ولدتنى، صحيح مكنتش أدرك وقتها أننى السبب فى وفاتها لكنى لما كبرت عرفت وفهمت فكرهت هذا اليوم الذى له فى نفسى ذكرى محبش افتكرها !» وعاد وجدى الحكيم يسأله: «معنى كده ما بتحتفلش بعيد ميلادك؟»، فقال عبد الحليم «عمرى ما احتفلت بيوم ميلادى وما بحبش اتذكره خالص»! لاحقه وجدى الحكيم بسؤال آخر «طب يوم ميلادك بتقضيه فين؟»، فقال «بقضيه زى أى يوم عادى من أيام حياتي، صحيح الواحد كل ما كان بيكبر كان لا يتوقف أمام ذكريات معينة سواء كانت حلوة أو مش حلوة، وتفكير الإنسان بيتغير طبعا مع الوقت، لكنى ما بحاولش أتوقف كثيرا أمام ذكرى يوم ميلادى»!
اقرأ أيضًا| أسرة عبد الحليم حافظ توجه تحذيرًا ل «مهرجان موازين».. تفاصيل
لم يكن «حليم» يحب الاحتفال بيوم ميلاده الذى أتى فيه إلى الدنيا فى 21 يونيو من عام 1929 بقرية الحلوات بمديرية الشرقية، والدته رحلت بعد ولادته وقبل أن تلتقط عيناه ملامح وجهها، ورحل والده بعدها، ويقول حليم فى مذكراته أن شقيقه الأكبر إسماعيل كان يذهب به إلى مرضعات القرية فتم إرضاعه من 300 سيدة»!
عرف العندليب الأسمر منذ نعومة أظافره الحرمان من حنان الأم ومرارة اليتم، وزحف مرض البلهارسيا لينهش كبده فى شبابه وصباه، وذاق معاناة الوصول للناس بنغمة جديدة تختلف عن النغمات السائدة فى بدايات ظهوره، ناضل وكافح وتعب وسهر وتألم حتى ذاق حلاوة النجاح الذى وصل به للمجد بمزيد من المرض والألم الذى جعله يختار كلمات يعبر بها عن الحيرة التى تسكنه فقال «مين أنا عايز أعرف مين أنا.. ليه أنا عايز أعرف ليه أنا.. اختارت الدنيا الميعاد.. واختاروا اسمى فى الميلاد.. مين أنا؟!».
وأوضح فى مذكراته قائلا: «أنا واحد من الذين لم يولدوا وفى أفواههم معالق من ذهب، عشت فى دوامة الحرمان، والتقطت أذناى صرخات الألم، أنا أحسست بالحب وأنا ابن هذه الأرض الطيبة، أنا ابن هذا الشرق الذى يصنع للتاريخ أزهى أمجاده، غنيت للألم وعشت معه، غنيت للحب لأننى أحتاجه، غنيت للوطن لأن أمجاده هى مصدر روحى، سأغنى كلما وجدت قلوبا تتجاوب مع أغنياتى، وسأظل أحس بالشىء الممتع الذى يغمر نفسى ويألف مشاعرى، الشىء الذى يسمونه السعادة».
اقرأ أيضًا| «موازين» يرد على نجل شقيق عبد الحليم ويوضح حقيقة حفل «الهولوجرام»
هكذا قال «حليم» وأؤكد أن لحظات السعادة فى حياته كانت قليلة جدا مقارنة بليالى المرض وعذابات الألم التى كان يكابدها وحبه لفنه مع رغبته فى إسعاد الناس فرضا عليه أن يدفع ثمن راحته، ويدفع حياته كلها من أجل هذا الهدف الذى جعله يحيا حتى الساعة فى الأذهان ويجعله متربعا على عرش الغناء برغم غيابه بالجسد 48 عاما مازال خلالها حاضرا فى الوجدان.
مثل كل أبناء جيلى تربيت على صوته، حلمت وأحببت وغنيت لحبيبتى نفس ما كان يغنيه من كلمات، تحمست ورددت أغانيه الوطنية التى كانت تشعرنا بالعزة والكرامة، بكيت وأنا استمع لرائعة «المسيح»، الصرخة التى أطلقها فى قاعة «البرت هول» بلندن، فاضحا - قبل الجميع - مرارة الجراح التى تعانيها فلسطين الحبيبة، كل هذا وغيره يجعلنى أبصم بالعشرة على أن «حليم» كان أسطورة حقيقية، ولا أبالغ عندما أقول إنه كان مجرة كونية ولدت فنيا فى ظروف استثنائية، فوجد نفسه بالحتمية مضطرا للصدام مع المجرات الكونية الغنائية الكبرى، التى أدخلته فى معارك احترق بنارها أحيانا، وأحرق غيره فى أحيان أخرى، ومن العبث أن نبحث فى الأسباب التى جعلت فنه يفرض نفسه على الناس رغم رحيله عن الدنيا بما يقرب من نصف قرن من الزمان، فترة زمنية تحول خلالها العالم من حال إلى حال، واختلفت الإيديولوجيات والمفاهيم والنظريات، الأمة التى غنى لها لم تعد هى نفس الأمة، ولدت أجيال تلتهم الكلمة بسرعة، والنغمة بسرعة، والنظرة بسرعة،، مع ذلك وجدت نفسها مرتبطة به، فهى تسمعه وكأنه حى لم يغب فى زمن المادية التى يلتهمها الناس حسب المصلحة، وكأن الرومانسية التى تعلمناها وعشناها فى أغانية وأفلامه ذهبت بلا رجعة فى عالم تطحنه الحروب والصراعات !!
زيارة مصطفى أمين لقلب «العندليب»
احتضن الكاتب الكبير مصطفى أمين المطرب الشاب عبد الحليم حافظ إعجابا بصوته وطموحه وإصراره على أن يكون له مكان متميز بين حيتان الغناء الكبار، ولهذا قرر أن يحتضنه ويرعاه، وروى عنه الكثير فى فصل بعنوان «زيارة لقلب عبد الحليم حافظ» فى كتاب «مسائل شخصية»، فقال من بين ما قال: «دخل مكتبى فى أخبار اليوم شاب صغير رقيق متواضع وقال أنا عبدالحليم حافظ، كان حجمه الصغير يخفى عمره، وقال لى «جئت لأطلب مشورتك.. ماذا أفعل لأنجح؟».
فقلت «لا تقلد أحدًا، كن عبد الحليم حافظ فقط فكل من قلدوا عبد الوهاب ماتوا»، وتصورت أننى قدمت لعبد الحليم أعظم نصيحة وإذا بى اكتشف أننى قدمت له مصيبة، فحين تعاقد معه المتعهد صديق أحمد على أن يغنى ثلاثين ليلة بالمسرح القومى بالإسكندرية، وقف يغنى يا حلو يا أسمر، وصافينى مرة، وإذا بالجمهور يصيح طالبًا أغانى عبد الوهاب، ورموه بالبيض والطماطم، نزل عبد الحليم من على المسرح وهو يبكى، لكنه لم ييأس أبدًا وظل يقاوم ويقاوم ويحاول.
عرفته فى بداية حياته شابا يخطو خطواته الأولى، ولم يكن الطريق سهلا بل كان مليئا بالصخور والأهوال، ثم رأيته يبكى على كتفى والسكاكين تغمد فى ظهره لكنه لم ييأس ولم يتراجع، بل مضى يشق طريقه بدمه ودموعه وعرقه وصحته وعناده وصبره، ووصل إلى القمة وهبت عليه الأعاصير والزوابع وتشبث مكانه ودافع عن مجده، بل حاور وناور وتقدم وتأخر واستطاع أن يصعد من قمة إلى قمة.
عرفته منذ سنوات طويلة عاشها محروما من أن يأكل ما يتمنى، مسجونا داخل زجاجة دواء، أقراص الأدوية لا تفارقه ليل نهار، أعرفه يبتسم ويضحك ودمه ينزف وجسمه يتمزق، هو أقوى من المرض لكن أضعف من الموت.
وذات يوم أعطيت إجازة إجبارية من عملى فى أخبار اليوم وحددت إقامتى فى بيتي، وكان عبد الحليم حافظ يزورنى كل مساء ويبقى عندى إلى ساعة متأخرة من الليل، وقال لى أطباؤه إنه يجب ألا يسهر فكنت أصر على أن ينصرف عند منتصف الليل، وكان يعارض قبل أن ينصرف إلى بيته فألح عليه، وقال إنه يكره أن يضع رأسه على الوسادة لأنه حينئذ يشعر أنه لن يقوم ثانية ولهذا لا يدخل إلى السرير إلا إذا أصبح عاجزا عن أن يقف على قدميه، هذا الشعور باقتراب الموت كان يسيطر على حليم، وكان يخفيه عن أقرب الناس إليه حتى لا يزعجهم، كان يقاوم الموت بشجاعة مذهلة، فلا يكاد يفتح عينيه بعد إغماءة طويلة إلا ويفكر فى لحن أو فيلم جديد.
«كنوز»
صديقى «الموعود».. ظلموه وظلمناه !
كنت لسنوات طويلة على صلة تليفونية قوية بعبد الحليم حافظ، ذهبت إليه فى بيته مرات عديدة، فالبيت مليء بالناس أكثرهم من الموسيقيين الذين يشتركون فى عمل بروفات طويلة لأغنيته الجديدة، مرة واحدة أمضيت الليل كله عنده، فقد كان يجرى بروفات «موعود» من تلحين بليغ حمدى، وهى من أجمل الألحان وأكثرها زخرفة موسيقية وبلاغة لحنية، كان الإرهاق باديا على عبد الحليم، وجها وصوتا وجفاف ريق وسعالا محتبسا، لا هو يسكت ويستريح ولا الفرقة الموسيقية، وأحسست كأن هذا هو آخر ألحان عبد الحليم، فهو مثل الطائر الذى يغنى أجمل ألحانه قبل أن يموت، أو هو مثل طائر الشوك الذى قبل أن يموت، يطير يبحث بين الأشجار الشائكة عن أطول شوكه ويلقى بجسمه عليها فتنفذ فى أحشائه ليموت فى أعلى أغصانها !
وندمت أننى ذهبت إليه، حاولت أن أطرد هذه الفكرة ولكنها طاردتنى وطردتنى من بيت عبد الحليم، وطردت النوم من عينى، وأطبقت نفسى على حزنى وأسفى، وفوجئت بأن عبد الحليم يطلب منى أن أحضر حفلته وأنه حجز لى مقعدا فى الصف الأول، وزاد حزنى وخوفى عليه، فأنا لا أحب أن أراه يسقط على المسرح، وانفتح الستار عن الفرقة الموسيقية، وبدأ عبد الحليم يغنى بحيوية وانتعاش «موعود» وكان يدخل وراء المسرح ليتعاطى شرابا أو دواء، وأكذب لو قلت إننى سعدت بالأغنية البديعة، فقد أفسد الخوف عليه كل رغبة فى الاستماع، وظللت طول الوقت وفى كل مرة يدخل وراء المسرح، أتوقع ألا يجيء، وانتهت الحفلة والناس سعداء بما سمعوا، وصفقوا مرات، ودبت فيه الحياة والحيوية والسعادة والنشوة وتوارى المرض والضعف والوهن، وعندما عاد إلى البيت تساقط قبل الفراش وفى الفراش، وأحس الجميع أنها النهاية، ولم تكن النهاية وإن كانت شهور قبل النهاية! صوت عبد الحليم، من أرق الأصوات وأكثرها حزنا، ينزف حبا وعذابا، نبكى بعين على العين الأخرى، فعلا.. ظلموه وظلمناه.
أنيس منصور «الشرق الأوسط» - 6 أبريل 2009
موسيقار الأجيال فى مرآة حليم
أجرى الكاتب الصحفى جميل الباجورى حواراً مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بعنوان «عبد الحليم حافظ المطرب الذى لم تهزمه آلام البلهارسيا يتكلّم فى الحبّ والسّياسة والخضار المسلوق» وسأله خلال الحوار عن سبب ابتعاده عن الحان أستاذه محمد عبد الوهاب لفترة طويلة، فقال العندليب: «علاقتى بعبد الوهاب كما هى لكنى لا أغنى حاليا إلا ما يضعه من ألحان فى الأفلام التى ينتجها لى، وليست عندى أى رغبة فى ربط نفسى بعجلة الموسيقار الكبير حتى لا تدوسنى كما داست غيرى من قبل وألقت بهم بعيدا فى طريق الإهمال والنسيان».
وأضاف عبد الحليم قائلا: «لا تسألنى عن الذين داستهم عجلة عبد الوهاب والجميع يعرفون من هم، فعبد الوهاب رجل كبير ولازم يفضل كبير، ويحب ألا يكبر عليه أحد فى دنيا الغناء أو التلحين، وفى سبيل ذلك هو على استعداد لتحطيم كل شىء يعترض طريقه»!
وعندما سأله جميل الباجورى إن كان سيعود لتمثيل أفلام جديدة من إنتاج محمد عبد الوهاب، قال «كان من المفروض أن أقوم ببطولة فيلم «فى بيتنا رجل» قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، ولأول مرة لن أغنى فى هذا الفيلم، ولكن الأستاذ إحسان اعترض على ذلك ونصحنى بعدم قبول الدور لأن الجمهور عرفنى مطربا قبل أن أكون ممثلا، فاعتذرت عملا بنصيحته».
واعترف عبد الحليم فى الحوار أنه دخل مع موسيقار الأجيال فى شركة «صوت الفن» للإنتاج الفنى لكسب وده وكسب المال من الاعمال التى تنتجها الشركة لأن عبد الوهاب منتج شاطر وذكى، واعترف أن شهرة موسيقار الأجيال ظلت تلاحقه لفترة طويلة، وتذكر أن الجمهور طالبه فى خمس حفلات أن يغنى أغانى محمد عبد الوهاب لعدم تقبله للألحان الجديدة التى يقدمها له الموجى وبليغ وكمال الطويل فواجه الجمهور الذى طالبه بذلك فى إحدى حفلاته بالإسكندرية بعصبية وهو يقول: «أغانى عبد الوهاب يغنيها عبد الوهاب.. أنا اسمى عبد الحليم حافظ».
جميل الباجورى «الكواكب» مايو 1958
«سندريلا» عبد الحليم.. قتلت أم انتحرت؟
رحلت سندريلا السينما الساحرة المشرقة دائما فى ذات اليوم الذى ولد فيه حبيبها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، 21 يونيو تاريخ ميلاد العندليب وذات نفس الرقم تاريخ لرحيل الجميلة التى أحبها، 24 عاما مضت ولم تكشف الأعوام والكتابات والتخمينات والادعاءات حقيقة اللغز المحير الذى يجعل السؤال مازال حاضرا : هل قتلت «سندريلا السينما سعاد حسنى رميا من الشرفة أم انتحرت؟».
ما زال لغزة وفاتها غامضاً، شقيقتها «جنجاه» نفت انتحارها وأكدت أنها قتلت، ودللت على أنها كانت متعاقدة على مسرحية وفيلم وكانت حالتها النفسية والمعنوية مرتفعة بعد أن أنقصت وزنها فلماذا تنتحر ؟ وقالت إنها اتصلت من لندن بسامية صلاح جاهين لتخبرها أنها عائدة لمصر وتطلب منها أن تتولى عملية إصلاح سيارتها، واستبعد الفنان سمير صبرى انتحار سعاد حسنى بعد الاطلاع على تقرير الطب الشرعى البريطانى الذى أكد أنها تعرضت لخبطة فى الجمجمة وعثر على كدمات زرقاء فى أنحاء مختلفة من الجسد بدون كسر، وقال سمير متعجبا : «هل يعقل أن تلقى سعاد بنفسها من النافذة ولم يكسر منها صباع حتى ؟».
وقال النجم حسين فهمى إن سعاد لم تنتحر بل قتلت عمدا لأن الخبراء أكدوا أن الشخص المنتحر لا يستطيع أن يكون على بعد أكثر من متر ونص عن المبنى بينما كانت سعاد على بعد 5 أمتار، المنتحر بيكون فى دم قريب من الجثة مكان السقوط وده طبعاً لم يكن هناك دم فى حالة سعاد، وبعدين شبكة البلكونة مقصوصة بمقص يعنى اللى هينتحر دا فاضى يقص بالمقص.
وأكدت اعتماد خورشيد أنها نصحت سعاد حسنى بعدم كتابة مذكراتها لأنها سوف تقتل، وظلت تلح عليها لكى تتراجع لكنها أصرت أن تكتب مذكراتها وتكشف أمورا ما كان يجب أن تكشفها !!
وعلى الطرف الآخر هناك من يرى أن سعاد حسنى انتحرت بمحض إرادتها بالقفز من شرفة الشقة التى كانت تعيش بها فى الدور السادس من مبنى «ستوارت تاور» الشهير فى لندن، وأصحاب نظرية انتحار سعاد يرون أنها أقبلت على ذلك عندما تيقنت أنها لن تستطيع التخلص من الأمراض التى أصابتها وكانت تعالج منها، ويرون أن طول العلاج الذى كلفها الكثير لم يحقق لها نتائج مرضية رغم الريجيم القاسى الذى كانت تمارسه فأصيبت بالاكتئاب الحاد والضغوط النفسية بسبب الشائعات التى كانت تكتب عنها وتطعن فيها ولا ترحم معاناتها مما جعلها تفقد توازنها وتقص فتحة فى الشبك الحديدى بشرفة الشقة لتقفز منها وتتخلص من حياتها، ونال أصحاب نظرية الانتحار سخرية المتخصصين والخبراء وعامة الناس لأن ما قدموه من أطروحات ومبررات يتسم بالسذاجة ويتناقض مع كل الشهادات والوقائع التى تؤكد أن سعاد كانت فى حالة نفسية متزنة وكل تصرفاتها كانت تؤكد عودتها لمصر بعد استعادة حيويتها لتبدأ فى استعادة نشاطها الفنى، فلم تنتحر وقد شهد الجيران بسماع أصوات تكسير وصراخ وضرب فى الشقة التى كانت تقيم بها سعاد قبل أن يتم العثور عليها ملقاة على الأرض أسفل الشرفة بدون نقطة دم واحدة !!
وستمضى الأعوام على رحيل سندريلا الشاشة سعاد حسنى وسيبقى اللغز غامضا والملف مغلقا على احتمالية الانتحار واحتمالية التصفية الجسدية والعلم عند الله.. رحم الله سعاد حسنى حبيبة العندليب عبد الحليم حافظ.
لو حكينا يا حبيبى
بقلم: عبد الحليم حافظ
بدأت حياتى بمأساة، لم أولد وملعقة من فضة، أو شوكة من ذهب فى فمى، ولدت وفى فمى ملعقة من الشوك، فلقد ماتت أمى قبل أن أراها، ومن أجل أن تكتمل حلقات المأساة، مات أبى بعد أمى بأسبوعين، الأم أولا ثم الأب، تماما كما يفعل طائر البجع العظيم، فحينما تموت الأنثى، يحزن عليها الذكر، ذلك الحزن الذى يفضى إلى الموت، وهكذا مات أبى!
كان لا بد أن ننتقل أنا وأخوتى الأربعة إلى الزقازيق، لم يكن أمامنا، إلا أن نطرق باب خالنا الموظف، ذى الدخل المحدود، وأريد أن أسجل، أننى وصلت الزقازيق، ومن قريتنا «الحلوات»، لم يكن عمرى يتجاوز الأربعة أشهر، كانت زجاجة الحليب لا تزال فى فمى، كان حليبا ممزوجا بالخل، فالطفل رغم أنه لا يعى، حينما يفقد أباه وأمه معا، إلا أنه يحس إحساسا داخليا بالفاجعة، ويحتاج إلى سنوات طويلة لكى يضمد الجرح أو الكسر.
خالتى هى التى تولت شئون تربيتى بعد وفاة أمى، مأساتى تشبه مآسى كل الأطفال، فهم يتذكرون الأيدى التى تمتد لهم بالحلوى، وكانت خالتى تحدثنى دائما عن وجهى، كأنها لا تذكر غير هذا الوجه، وكأن الشىء الوحيد المميز فى حياتى، هو وجهى!
هل يمكن أن يتصور القراء مأساتى، أنا الذى أدين بشهرتى، لصوتى، لم يكن لى أى صوت مميز، بل كان لى ذلك الوجه المميز، ولكن ما الذى كان يجذب العيون إلى وجهى، كانت خالتى تقول إن الحزن هو الذى يجذب إلى العيون، كما يجذب حجر المغناطيس إليه الإبر من الفولاذ. كنت حزينا من اللحظة الأولى، أو من العام الأول، كأننى كنت أحس، وأنا لا أعى أننى فقدت أمى أولا، ثم فقدت بعدها أبى، وكان خالى رحيما بى.
كان بإمكانه أن يلقى بى فى أحد أركان حجرات البيت ولا يرسل بى إلى المدرسة، فلقد كان موظفا بدخل محدود، ومع ذلك أرسل بى إلى «الكتاب» الذى تعلمت فيه القراءة والكتابة وأنا طفل فى الرابعة من عمرى، كنت أخاف من «عريف» الكتاب لكى لا ينهال علىّ بكفه، وكنت أخاف من «شيخ» الكتاب لكى لا ينهال علىّ بعصاه.
وذات يوم حاولت أن أهرب لأول مرة فى حياتى، فقد ضقت بحياة «الكتاب»، وضقت بالشيخ وصبيه العريف، كنت أريد أن أمارس طفولتى بكل ما فيها من عبث كما يمارسها كل الأطفال، وخيل إلىّ أننى لن أتوه أبدا، وأننى سوف أستطيع العودة ثانية إلى القرية، لكنى وجدت نفسى فى قرية غريبة تماما عنى لا أعرفها، بكيت، وماذا يفعل الطفل حينما يضيع غير أن يبكى؟
لا بد أن ينادى الطفل على أمه وأبيه، فرحت أنادى عليهما، وهما كانا تحت التراب، هل يوجد أفظع من هذه المأساة، أن يقوم الطفل بالنداء على شيء مفقود؟! لقد ظللت أبكى حتى أغمى علىّ، وصحوت على يد امرأة تحملنى، كان الوجه الأول الذى لن أنساه طيلة حياتى، رغم أننى نسيت الاسم، حملتنى تلك المرأة الطيبة إلى بيتها، أطعمتنى، ثم سألتنى عن القرية التى جئت منها فقلت لها إننى جئت من «الزقازيق»، وكان اسم البلدة هو أول الخيط الذى أمسكت به السيدة لتعود بى إلى بيتى، وكان خالى يطوف الشوارع، ويستأجر المنادين لكى ينادوا على طفل ضائع، وعرفت حينما كبرت أن المكافأة التى طلبتها هذه السيدة الطيبة هى ألا أعود إلى الكتاب وعصا الشيخ وكف العريف مرة أخرى، لأنها علمت منى سبب هروبى من «الكتاب» ومعاناتى مع الشيخ وصبيه العريف، وأبلغت خالى بذلك، لم أعد أذهب إلى الكتاب، أحضر لى خالى مدرسا خاصا ليقوم بتعليمى حتى أكون مؤهلا لدخول المرحلة الابتدائية التى التحقت بها وأنا لم أتم السادسة من العمر.
من مذكرات عبد الحليم
عندما فكرت فى كتابة مذكراتى أحسست أننى أريد أن أصرخ بكل ما حدث فى عمرى مرة واحدة.
عبد الحليم حافظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.