جاءت الضربة الإسرائيلية على إيران فجر الجمعة الماضية وما تلاها من رد إيرانى ليكتب فصلاً جديدًا فيما يشهده الاقتصاد العالمى خلال الوقت الحالى من حروب ونزاعات مسلحة، ما يؤثر بشدة على مختلف اقتصادات الدول وفى القلب منها الاقتصاد المصري الذي عاش وسط تحديات كبيرة لم يكن له دور مباشر فيها، لكنها بلا شك تركت آثارًا مباشرة وغير مباشرة عليه، حيث كانت البداية فى 2020 مع فيروس كورونا وما أحدثه من تأثيرات كبيرة على دول العالم، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد من صعوبة المشهد الاقتصادى العالمي، ثم بدأت إسرائيل فى 2023 حربها على قطاع غزة، وأخيرًا الضربات المكثفة المتبادلة مع إيران.. يتحدث الجميع عن أيام صعبة تنتظر الاقتصاد العالمى خلال الفترة المقبلة، وما بين هذا وذلك يبقى الاقتصاد المصرى فى موقف لا يُحسد عليه، حيث أكد عدد من الخبراء أن تأثيرات تلك الصراعات ستصيب الاقتصاد المصري، الذى لا يكاد يتعافى من أزمة عالمية حتى تأتى أخرى تؤثر عليه. ورغم أن مصر استوعبت تلك الأزمات خلال السنوات الماضية، إلا أن ارتباك المشهد العالمى وعدم وضوح الصورة كاملة تجعل الأمور أكثر تعقيدًا خلال الفترة المقبلة، حيث يصعب التكهن بما ستكون عليه الأوضاع العالمية، خاصة مع الرد الإيرانى الذى لا أحد يعلم مداه، ولكن ستبقى الأمور فى النهاية خارجة عن السيطرة. فى البداية أكد د. وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، أن ضرب إسرائيل لإيران لم يكن مسألة مفاجئة بل إنه كان أمرًا متوقعًا، فما تقوم به إسرائيل منذ أحداث 7 أكتوبر ينذر بكارثة متواصلة على الاقتصاد العالمي، وها هى تواصل صب مزيد من الوقود على النار المشتعلة فى منطقة الشرق الأوسط، وأشار إلى أن الخطورة الأكبر من ذلك هو تأثر إمدادات النفط الإيرانية، وتأثير ذلك على الإمدادات العالمية، حيث إنه من المتوقع أن تشهد أسعار النفط ارتفاعات جديدة خلال الأيام المقبلة.. وأوضح أن ما يحدث يزيد حالة عدم اليقين التى أُصيب بها الاقتصاد العالمى خلال السنوات القليلة الماضية. كما أن تلك الأحداث سوف تدفع الكثيرين إلى التوجه بشكل أكبر نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب والعقارات، وقال إن مصر خلال الفترة الماضية عانت من تراجع إيرادات قناة السويس بسبب الأحداث فى البحر الأحمر، ومن المتوقع أن يزداد التأثير إذا ما دخل الحوثيون على خط الأزمة خلال الأيام المقبلة. وقال: كما يمكن أن تتأثر مصر حال ارتفاع أسعار النفط العالمي، وبالتالى فإنه مطلوب من الحكومة وعلى الفور صياغة خطط وحلول بديلة للتعامل مع تطورات الأحداث الدولية والموقف الحالي، وأضاف أن مصر منذ عام 2020 وهى تواجه أحداثًا متعاقبة جعلتها أكثر قدرة على تحمل الصدمات الاقتصادية مثل كورونا وحرب روسيا وأوكرانيا وحرب إسرائيل على غزة، فالاقتصاد المصرى عاش مؤخرًا تحت ضغوط كبيرة لكنه قادر على الصمود والاستمرارية وتلبية كل احتياجات المواطنين بصورة كبيرة. اقرأ أيضًا | البنك الدولي يتوقع نموًا تدريجيًا للاقتصاد المصري سلاسل الإمداد بدوره أوضح د. عادل عامر الخبير الاقتصادى أنه من المتوقع أن يكون هناك تأثيرات سلبية خاصة فى منطقة البحر الأحمر، فما حدث من المؤكد أنه يدخل المنطقة فى أزمة جديدة لا أحد يعلم متى تنتهي، حيث إنه من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تأثر أو تعطل سلاسل الإمداد الدولية عن تلبية مختلف احتياجات العالم، ما قد يؤدى بطبيعة الحال إلى نقصان السلع خاصة للدول التى تعتمد على الاستيراد بصورة كبيرة. وأشار إلى أن قلة السلع فى أى سوق يتبعها ارتفاع فى الأسعار، مع تراجع فرص العمل، وبالتالى خلق أزمات اقتصادية لم تكن فى الحسبان على الإطلاق، وأوضح أن الحل للتعامل مع تغيرات الاقتصاد الدولى حاليًا هو زيادة معدلات الإنتاج المحلى من مختلف السلع والمنتجات، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.. وقال: مصر نفذت خلال السنوات الماضية تطويرًا شاملاً فى البنية التحتية بمختلف المحافظات، كما تم تأسيس وتأهيل العديد من المناطق الصناعية، بالإضافة إلى الشفافية الكاملة فى طرح الأراضى الصناعية المرفقة وانتهاء زمن «تسقيع الأراضي»، وبالتالى يجب تحديد قائمة بالأولويات خلال الفترة المقبلة، والعمل على جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى تلك القطاعات، مع توفير حزم من التسهيلات التمويلية والضريبية للمستثمرين، مما يؤدى إلى زيادة معدلات الإنتاج المحلى وتراجع نسب التصدير، مع توفير المزيد من فرص العمل، فكل ذلك سيؤدى إلى تخفيف وطأة أى أزمة اقتصادية.. ودعا إلى ترشيد الاستهلاك بشكل أكبر من قبل المواطنين، وأن يتم الاعتماد على المنتج المحلى قدر الإمكان، مع الاعتماد على الضروريات فقط فى الاستيراد، أو تلك المنتجات التى لا يوجد لها بديل محلي. تأثيرات سلبية فيما قالت الدكتورة هدى الملاح، مديرعام المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، إن الأزمات الاقتصادية تزداد حول الاقتصاد العالمي، وسيكون هناك تأثيرات سلبية كبيرة خلال الأيام المقبلة فى ظل حالة عدم الوضوح والارتباك التى تسيطر على متخذى القرارات الاقتصادية فى الوقت الحالي. وأضافت أنه فور وقوع الضربة الإيرانية، أكد رئيس الوزراء على توافر مخزون السلع لفترة قادمة، كما بدأت مختلف الوزارات المعنية مثل البترول والتموين والطيران إرسال رسائل طمأنة للمواطنين حول الموقف الحالي، ما تسبب فى حالة من الطمأنينة لدى المواطنين، وأشارت إلى أن التأثيرات الفورية ستكون على السلع المستوردة، أما المنتجة محليًا خاصة المصنوعة من خامات محلية، فمن المتوقع ألا يكون هناك تأثير مباشر عليها.ولفتت إلى أنه من المتوقع ارتفاع معدلات التضخم وخاصة التضخم الركودي، حيث تتوافر السلع ولكن دون وجود قدرة شرائية، مع وجود نوع من المضاربة السعرية فى الأسواق، وهو الأمر الذى يقتضى ضرورة إحكام الرقابة على الأسواق خلال الفترة المقبلة، منعًا لاستغلال بعض التجار الجشعين للموقف ورفع الأسعار دون سبب حقيقي، وقالت إنه ينبغى التأكيد على أن الصدمات الاقتصادية الدولية أثرت بشكل كبير على خطط مصر الاقتصادية، ما تسبب فى عواقب ونتائج لم تكن فى الحسبان، خاصة فيما يتعلق بارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات التجارة الدولية.. وأكدت أن الاقتصاد الكصري متماسك رغم جائحة كورونا فى عام 2020 وهى أزمة عالمية كبيرة، ثم حرب روسيا، ورغم ذلك دخلت مصر مسار الإصلاح الاقتصادى بقوة وأصبحت هناك تنمية فى كل ربوعها، وتنيمة حقيقية فى مختلف القطاعات الاقتصادية بمختلف المحافظات. أضرار مباشرة بينما أوضح السيد بسيونى رئيس لجنة التعاون الدولى بجمعية مستثمرى العاشر من رمضان، أن ما حدث سيكون له توابع سلبية على المنطقة بالكامل، حيث إن أى حروب أو صراعات عسكرية تؤثر بشدة على مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وأضاف أن العالم فى «مركب واحدة»، والتأثير سيشمل الجميع ولن ينجو منه أحد، فالعالم اليوم قرية واحدة والكل فى احتياج للآخر سواء من حيث الخامات أو المنتجات أو شركات المرور المائى أو الجوي، حيث إن هذه الصراعات سيكون لها أضرار مباشرة على اقتصاد العالم كله. وأشار إلى أن أكثر القطاعات التى قد تتأثر هو القطاع السياحي، وكذلك حركة النقل واللوجيستيات والتأمين العالمى على الخامات والمنتجات، كما أنه من المتوقع أيضًا أن تتأثر عمل الخطوط الملاحية الدولية، وهو ما سيؤدى إلى ارتفاعات فى أسعار المنتجات التى تعتمد على خامات مستوردة. وأكد أنه يجب الاستفادة مما يشهده الوقت الحالى من تغيرات اقتصادية عالمية، وأن يكون هناك اهتمام متزايد بملف الصناعة، كما أنه يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بالمنتج المحلي، فدعم الصناعة الوطنية أمر لا غنى عنه خلال الفترة المقبلة، بل إنه يجب التوقف عن استيراد السلع التى لها بدائل مصرية، حيث إن ذلك يساعد على تنمية الصناعة وتشغيل عجلة الإنتاج بكل قوتها، وأضاف أن ما يحدث هو فكر جديد لإدارة ملف الصناعة.. وأشار إلى أن الصناعة هى العمود الفقرى للاقتصاد، والقطاع الخاص شريك أساسى مع الدولة فى تحقيق التنمية، حيث إنه يساعد فى خفض معدلات البطالة وتوفير الخامات للتصنيع، ودعا إلى إيجاد حلول لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة فى المناطق الصناعية خاصة أنها مزودة بالمرافق والخدمات وبالتالى فإن إعادة تشغيلها مع حل مشاكلها مع البنوك ستكون له نتائج إيجابية للغاية على الاقتصاد الوطني.