فى خطوة سياسية مهمة رفضت السلطات المصرية مرور القافلة القادمة من الغرب التى كانت متجهة إلى قطاع غزة والتى أطلقوا عليها مسمى «قافلة الصمود»، وهو قرار سيادى يعكس حرص الدولة المصرية على أمنها القومى قبل أى اعتبارات أخرى، دون أن يتعارض هذا الموقف مع الدعم التاريخى الثابت الذى قدمته -وما زالت تقدمه- مصر للشعب الفلسطينى. من البديهى أن أى دولة فى العالم تضع أمنها القومى فوق كل اعتبار، ومصر ليست استثناءً. فالحدود الشرقية للبلاد، المحاذية لقطاع غزة، لطالما كانت نقطة حساسة ومعقدة تتداخل فيها السياسة بالأمن. ومن هذا المنطلق جاء رفض مرور القافلة نتيجة تقديرات أمنية دقيقة، لا مجال فيها للعاطفة أو الضغوط الإعلامية. القرار المصرى لم يكن موجهاً ضد القضية الفلسطينية، بل لحماية أمن واستقرار الداخل المصرى، خصوصاً فى ظل أوضاع إقليمية مضطربة ومحاولات متكررة لاختراق الأمن المصرى من بوابة التعاطف الإنسانى. من يتحدثون اليوم «للمزايدة» على الدور المصرى فى دعم فلسطين يتجاهلون -أو يتعمدون تجاهل- الحقيقة التاريخية الثابتة: لا توجد دولة وقفت أمام مخططات تهجير أبناء غزة كما فعلت مصر، ولا توجد دولة تحملت أعباء القضية الفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيًا وأمنيًا كما تحملتها القاهرة. رفض مصر الصريح والواضح لأى مخطط لتوطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، وخصوصًا فى سيناء، كان -وما يزال- موقفًا غير قابل للتفاوض. وهو موقف كلّف مصر ضغوطًا هائلة إقليميًا ودوليًا، لكنها ظلت متمسكة به دفاعًا عن الحق الفلسطينى، وحفاظًا على أمنها الوطنى. التضامن مع غزة لا يعنى -بأى حال من الأحوال- التغاضى عن تهديدات محتملة، أو التفريط فى السيادة. والدعم الحقيقى لا يُقاس بعدد القوافل، بل بالمواقف الكبرى التى تصنع الفارق. ومصر، بما تملكه من ثقل جيوسياسى وتاريخى، لم تتخلّ يومًا عن الفلسطينيين، لكنها فى الوقت ذاته لن تسمح بتحويل أراضيها إلى ممرات مفتوحة قد تستغلها أطراف تسعى لزعزعة الاستقرار. ما يثير التساؤلات أن منظمى القافلة كانوا على علم مسبق بقرار السلطات المصرية الرافض لمرورها، ومع ذلك استمرت القافلة فى التحرك، وتابعت وسائل إعلام تغطية رحلتها بشكل واسع. هذا التصرف يطرح علامات استفهام حول الأهداف الحقيقية من استمرار الحملة، هل كانت الغاية فعلًا هى الوصول إلى غزة؟ أم كان الهدف استعراضيًا، إعلاميًا، يهدف إلى إحراج الدولة المصرية أو ممارسة ضغط سياسى غير مبرر؟ تجاهل هذا القرار السيادى والإصرار على الاستمرار مع علمهم اليقين بعدم السماح بالمرور، لا يمكن فصله عن محاولة استغلال المشهد لصناعة بطولات زائفة، أو توظيف المأساة الفلسطينية فى أجندات إعلامية أو سياسية لا تخدم الشعب الفلسطينى فى شىء، بل قد تزيد من تعقيد أوضاعه وتضعف الدعم الحقيقى له. قرار منع القافلة يجب أن يُفهم فى سياقه الصحيح: حماية للأمن القومى، وتنفيذ لسيادة الدولة، وليس تنصلًا من الالتزام الأخلاقى والتاريخى تجاه غزة، فمصر تعرف أين تقف، وتعرف حدود مسئولياتها، وهى لن تسمح لأحد بأن يزايد على مواقفها، أو أن يستغل تعاطفها لتمرير أجندات مشبوهة.