في 11 يونيو عام 1941، وُلد واحد من أبرز كُتّاب الدراما التاريخية في مصر والعالم العربي، محفوظ محمد عبد الرحمن عرفات، الذي تنقّل في طفولته بين محافظات مصر المختلفة بسبب طبيعة عمل والده كضابط شرطة، هذا التنقل المبكر أسهم في تشكيل وعيه بثقافات متعددة وتجارب إنسانية متباينة، ظهرت لاحقاً في أعماله الإبداعية. تخرج عبد الرحمن في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1960، وبدأ مشواره المهني في الصحافة بدار الهلال، ثم انتقل إلى دار الوثائق التاريخية بوزارة الثقافة، حيث كان لهذا المنعطف تأثير بالغ على مشروعه الإبداعي، إذ تعمق هناك في الوثائق التاريخية، خاصة ما يتعلق بمشروع قناة السويس، وهو ما تجلى لاحقًا في أعماله مثل مسلسل "بوابة الحلواني" وفيلم "ناصر 56". استقال محفوظ عبد الرحمن من العمل الحكومي عام 1982 ليتفرغ للكتابة، بعد أن نُشرت أولى قصصه في مجلة القصة. وتوالت بعدها إبداعاته، فصدرت مجموعته القصصية الأولى "البحث عن المجهول" عام 1967، وتلتها "أربعة فصول شتاء" عام 1984. أحب التاريخ بقدر ما أحب الأدب، ودمجهما معًا في أعمال درامية تلفزيونية وسينمائية ومسرحية ترك بصمة لا تُنسى. تميز أسلوبه بالسرد الحكيم والبناء المتين، مع حس إنساني وتاريخي واضح. كتب للدراما أعمالاً خالدة مثل: "بوابة الحلواني": وثق فيه مراحل مهمة من التاريخ المصري الحديث، خاصة ما يتعلق بحفر قناة السويس، وكشف الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لتلك الفترة. "أم كلثوم": جسّد فيه حياة كوكب الشرق بطريقة درامية، عرّف الأجيال الجديدة على شخصيتها وإنجازاتها، وأعاد تذكير الأجيال الأكبر بقيمتها الفنية والوطنية. "ساعة ولد الهدى": تناول فيه السيرة النبوية بأسلوب درامي راقٍ، بعيدًا عن النمط الوعظي التقليدي، مما منحه أثرًا ثقافيًا وفكريًا عميقًا في الوجدان العربي والإسلامي. أما في السينما، فكتب أفلاماً توثق حقبًا تاريخية بحرفية درامية عالية، أبرزها: "ناصر 56"، و"حليم". كما ألّف مسرحيات عُرضت في مصر والكويت وتونس وسوريا، من بينها: "السندباد البحري"، و"عريس لبنت السلطان". ولم يقتصر إنتاجه على التلفزيون والمسرح، بل قدم أيضًا سهرات درامية وإذاعية مثل: "ذات يوم ذات شهر ذات سنة"، "الرجل الذي رحل"، و"إيزيس"، مؤكدًا بذلك تعدد مواهبه وتنوع اهتماماته. أما عن زواجه من الفنانة سميرة عبد العزيز، فقد تم خلال فترة تصوير عمل درامي في تونس، حيث كان محفوظ عبد الرحمن قد تقدم بطلب الزواج منها في وقت سابق. وأثناء وجودهما هناك، أكدت موافقتها، فقررا إتمام الزواج بطريقة الإشهار وبحضور الشهود، نظرًا لظروف العمل. وقد شهد على الزواج جميع الحاضرين، وشارك فيه أبناؤهما من زيجات سابقة. وعند عودتهما إلى القاهرة، تم توثيق عقد الزواج رسميًا في منزل الفنانة سميحة أيوب، بحضور الكاتب سعد الدين وهبة الذي وقع كشاهد على العقد. نال عبد الرحمن تقدير النقاد والجمهور على حد سواء، فحصد جوائز رفيعة أبرزها: جائزة الدولة التشجيعية عام 1972، أفضل مؤلف مسرحي عام 1983، الجائزة الذهبية بمهرجان الإذاعة والتلفزيون عن مسلسل أم كلثوم، جائزة الدولة التقديرية للفنون عام 2002، جائزة العقد لأفضل مبدع بمهرجان الإذاعة والتلفزيون. ظل محفوظ عبد الرحمن يكتب حتى آخر أيامه، حيث كان يعمل على مشروعه الدرامي الكبير "سره الباتع" قبل أن يرحل في 17 أغسطس 2017 عن عمر ناهز 76 عامًا، بعد مسيرة إبداعية غنية جعلته من أعمدة الدراما العربية المعاصرة، و"حكّاء" التاريخ كما لم يروه أحد. اقرأ أيضا: «محفوظ عبد الرحمن» علامة فريدة في تاريخ الدراما المصرية والعربية