اعتقال السفينة مادلين من قبل عصابة القراصنة الإسرائيليين لم يكن مفاجأة بالنسبة لى ولا بالنسبة لأى إنسان يعرف أخلاقيات العدو لو عدت فى هذه الأيام شاباً يافعاً من جديد لتمنيت إنجاب ثلاثة عشر طفلاً وطفلة توءم لأطلق عليهم أسماء مادلين والأثنى عشر رجلاً وامرأة الذين كانوا على متن السفينة الشراعية الإغاثية مادلين، والتى كانت متوجهة لكسر الحصار الذى فرضه العدو الغاشم على غزة الحبيبة والتى كانت تحمل على ظهرها حليب الأطفال والدقيق والأرز والحفاظات والمستلزمات الطبية ومعدات تحلية المياه، إضافة إلى أطراف صناعية للأطفال المحاصرين مع أسرهم، قبل أن تعتقل العصابة المحتلة السفينة ويمنعوا ركابها من أداء رسالتهم السلمية الإنسانية السامية فى الوقوف بجانب مواطنين عزل يحاصرهم أوغاد لا يمتون للإنسانية بأية صلة من قريب أو حتى من على بعد ملايين الأميال. كنت سأبدأ تسمية أطفالى الجدد بمادلين نفسها التى سُميت السفينة على اسمها وهى «مادلين كُلاب»، أول فتاة فلسطينية تعمل فى صيد الأسماك فى غزة من 2014، والتى بدأت عملها وهى فى سن 15 عاماً على قارب والدها، وسرعان ما أصبحت معروفة بين الصيادين فى القطاع. مادلين كانت تُبحر فى شجاعة ليست غريبة على الفلسطينيات الفضليات حتى حدود الحصار البحرى الإسرائيلى، ثم تلقى بشباكها مثلها مثل أى صياد ماهر وتصطاد الأسماك وتبيعها فى الأسواق بهدف إعالة أسرتها. وعقابًا لها على شجاعتها وجرأتها، قتل الأوغاد والدها أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التى بدأت فى السابع من أكتوبر 2023، ولم يكتف الأندال بذلك بل قاموا فى مارس الماضى، بتدمير قوارب مادلين وزوجها، إلى جانب مستودع كانا يستخدمانه لتخزين أدوات الصيد، ما أدى إلى فقدان مصدر رزقهما مثلها مثل آلاف الفلسطينيين الذين تحلم إسرائيل بأن تستيقظ يوماً فلا تجد واحداً منهم على ظهر البسيطة كلها. ورغم أن تحالف أسطول الحرية المسئول عن السفينة أكد أن رحلة مادلين تمثل فعلًا سلميًا من المقاومة المدنية، وأن جميع المتطوعين على متن السفينة توحدهم قناعة مشتركة بأن الشعب الفلسطينى يستحق نفس الحقوق والحرية والكرامة التى تتمتع بها شعوب العالم. إلا أن هذا الخطاب بالطبع لا يجدى نفعاً مع عقليات من عينة نتنياهو وأفراد عصابته الذين لا يترددون فى إعلان نواياهم فى قتل جميع أبناء الشعب الفلسطينى بل وكل من يتعاطف معهم بعد أن فشل مخطط التهجير. رغم أن أغلب ركاب السفينة مادلين الأثنى عشر من قارة أوروبا إلا أن جميع القارات تقريباً ممثلة فيها ومع ذلك لم يتورع الاحتلال فى أن يظهر فى صورة المتحدى لكل العالم وأن يخرج للجميع لسانه باعتقال هؤلاء الشرفاء الذين يشبه كل منهم كوكباً بأكمله وليس مجرد دولة أو حتى قارة.. كل هذه شكليات عند عصابة الاحتلال التى اعتادت أن تفعل كل ما يحلو لها وهى آمنة من العقاب، ومن أمن العقاب أساء الأدب فما بالك إذا كنا أمام عصابة قطاع طرق لا يعرف أعضاؤها أى شيء عن الأدب أصلاً. لقد تمادت تلك العصابة فى الاستهزاء بالمجتمع الدولى إلى أبعد مدى وراحت تتحداه علناً وبلغت قمة الوقاحة عندما راحت تسخر من أى محاولة لكسر الحصار على أهالينا فى غزة الذين يتساقطون من شدة الجوع، وأخذ الإعلام العبرى يسخر من مادلين ويطلق عليها قافلة السيلفى التى لا هدف لركابها سوى التقاط الصور التذكارية باعتبارهم فى رحلة بحرية وليسوا فى مهمة لإغاثة أهل غزة وأطفالها وراحت القنوات الإسرائيلية تنشر فيديوهات لحظة القرصنة التى تعرضت لها السفينة الشراعية مع إعلان اعتقال جميع النشطاء تمهيداً للتحقيق معهم، وهى بذلك التصرف الهمجى المتوقع توجه رسالة لكل من يفكر حتى مجرد تفكير فى أى فعل يحاول من خلاله إغاثة الملهوفين المحاصرين فى غزة عقاباً لهم على عدم موافقتهم على ترك بيوتهم والهجرة من بلادهم بغير رجعة. فليقرأ الإسرائيليون التاريخ جيداً ليعلموا أنهم مهما فعلوا فهم إلى زوال وأن الأرض لأصحابها مهما طال الزمن ومهما كانت كل الظروف ضدهم، فهى معركة بين الحق والباطل ونحن نثق فى موعود ربنا وأن أشقاءنا فى فلسطين سينعمون يوماً ما بأرضهم وبدولتهم ولو كره الكارهون.