المشكلة لم تكن فقط في تضارب التصريحات، بل في التصريحات نفسها خلال أسبوع واحد فوجئنا بتصريحين مختلفين حول علاقة مصر بالنشاط الزلزالى .. التصريح الأول كان لوزيرة البيئة التى أكدت أن مصر تقترب من منطقة نشاط زلزالى حقيقى،. وأكدت أيضاً وجود علاقة وتداخل بين التغيرات المناخية التى تشهدها مصر ، وبين بعض الظواهر الجيولوجية، ما يجعل مصر فى بداية الخطر، و يستوجب الاستعداد الدائم. وعلى العكس تماماً، جاء تصريح رئيس معهد البحوث الفلكية ليطمئن الناس بأن مصر ليست فى حزام الزلازل، وأن الهزات الأرضية المتكررة لا تشكل خطراً، نافياً وجود أى علاقة بين التغيرات المناخية والزلازل، ومؤكداً أن المعهد القومى للبحوث الفلكية هو المسئول عن إصدار بيانات الزلازل كجهة مختصة لديها أجهزة وشبكات للمراقبة، وأن المعهد مسؤول عن بياناته وتصريحاته فقط. والحقيقة أن هذا التضارب فى التصريحات يثير مجموعة من التساؤلات، أولها، إذا كان معهد البحوث الفلكية هو الجهة المختصة بإصدار بيانات الزلازل، فما علاقة وزارة البيئة بالأمر، وكيف استطاعت وزارة البيئة بمنتهى البساطة التأكيد على دخول مصر حزام الزلازل، ومرحلة الخطر، ما هى أدلتها العلمية على ذلك، وهو الأمر الذى لم يرصده المعهد المتخصص بكل أجهزته وإمكانياته وشبكاته ، ثم ما هى أدلتها العلمية أيضاً على وجود علاقة بين التغيرات المناخية والظواهر الجيولوجية، وهو الأمر الذى نفاه أيضاً المسئول المتخصص. التضارب فى التصريحات يثير أيضاً مشكلة أخرى، وهى عدم وجود تنسيق أو رؤية مشتركة بين المسئولين، ولا أعرف كيف يتم الاستعداد لمواجهة الأزمات وكيف نضمن وضع خطط متكاملة وتنفيذها بنجاح، إذا كان المسئولون يعملون فى جزر منفصلة، أو إذا كان بعض المسئولين يرون أن هناك مخاطر قادمة، بينما لا يرى مسئول آخر وجود أى خطر من الأساس. وأخيراً، فالمشكلة لم تكن فقط فى تضارب التصريحات، بل فى التصريحات نفسها، فوزيرة البيئة اختتمت تصريحها بضرورة الاستعداد الدائم لمواجهة مخاطر الزلازل القادمة، ولا أعرف لمن توجه الوزيرة هذا النداء، فالمواطن بلا شك لا يعرف كيف يستعد، وما هو المطلوب منه بالضبط، وأتصور أن هذا الاستعداد هو مسئولية الحكومة أولاً ،باعتبارها المسئولة عن وضع خطط الاستعداد لمواجهة الأزمات، وأهم وأبسط هذه الخطط ، هى تأكد رؤساء الأحياء من إتمام عمليات الإزالة أو التنكيس للمبانى الصادر لها قرارات، ولم تنفذ، ومعاقبة المسئولين عن هذا التهاون والتراخى فى تنفيذ هذه القرارات، وعدم الانتظار حتى تقع الكارثة. ويبقى تصريح رئيس معهد البحوث الفلكية، الذى قال إنه لا داعى للخوف إطلاقاً،و أن الزلازل عندنا لا يمكن مقارنتها باليابان، حيث قال بالنص:» إن اليابانيون يفطرون صباحاً وزلزال بقوة 5 ريختر شغال معاهم!» . ورغم أن هذا الكلام حقيقي، إلا أن المقارنة هنا لا مجال لها، لأن اليابانيين يعلمون جيداً أن مبانيهم تحمل أكواداً محكمة تجعلها تستطيع الصمود أمام الزلازل، ويعلمون أيضاً أن هناك قوانين بناء صارمة، و عقوبات أشد صرامة، لأن العبرة ليست بالقوانين ،بل بضمان تنفيذها.