نعم تخلصت سوريا من النفوذ الإيرانى والروسى بسقوط الرئيس الأسد ولكنها وقعت فريسة لصراع أشد على النفوذ بين تركيا وإسرائيل التى تملك كل منهما أجندة خاصة بها فى الدولة السورية الجديدة. فإسرائيل التى استغلت الفوضى التى تلت سقوط الأسد للإجهاز على قدرات سوريا العسكرية من مطارات وأسراب طائرات ورادارات ومحطات إشارة ومستودعات أسلحة ومراكز أبحاث، تسعى للتغول فى الأراضى السورية وإنشاء مناطق منزوعة السلاح على طول حدودها مع سوريا ولبنان، وتأمين وصول غير مقيد لطائراتها فى المجال الجوى للمنطقة. كما تهدف لإقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق وإضفاء الشرعية على الحقائق التى فرضتها على الأرض بالقوة، من خلال اتفاق لإعادة رسم الحدود، وإضفاء الطابع الرسمى على المناطق منزوعة السلاح، والاعتراف بالعلاقة الخاصة لإسرائيل مع الطائفة الدرزية السورية. فى المقابل، تركيا التى تسيطر على مساحات شاسعة شمال سوريا أقامت عليها عشرات القواعد، تسعى لترسيخ وجودها فى سوريا لأجل غير مسمى، متخذةً من دعمها للنظام الحالى مطية لتحقيق مصالحها. وتتضمن استراتيجية أنقرة كبح النفوذ الكردى شمال وشرق سوريا وتحويلها لعمق استراتيجى بدلاً من مصدر للتهديد. كما تتطلع أنقرة لإعادة الإعمار فى سوريا، التى تقدم فرصًا اقتصادية كبيرة، مع تحسين الأوضاع داخل سوريا - ما قد يشجع عودة اللاجئين المقيمين فى تركيا. ومن شأن هذا أن يخفف عبئًا سياسيًا كبيرًا على حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويعزز مكانته الداخلية فى مواجهة المعارضة. ومع تقاطع رغبة إسرائيل فى الاعتراف بمنطقة نفوذ إسرائيلية واسعة مقابل نفوذ تركى محدود فى الشمال، مع رغبة أنقرة فى تسريع عملية انسحاب أمريكا من سوريا والانفراد بالنفوذ هناك، تحولت سوريا لساحة معركة بين القوتين لدرجة انخراط الدولتين فى محادثات دبلوماسية عُقدت الجولة الأولى منها فى أذربيجان فى أبريل 2025، ولم تُسفر عن نتائج ملموسة. وفى الوقت الذى تواصل فيه تركيا وإسرائيل محادثاتهما لإنشاء آلية «فض النزاع» للحيلولة دون وقوع صدام بينهما، تقف الدولة السورية «مفعول به» فى جولة جديدة من صراع النفوذ.