صدر فى بيروت مؤخّرًا، عن الدار العربية للعلوم ناشرون، كتاب «أسئلة الرواية السعودية» للشاعر والناقد اللبنانى سلمان زين الدين. وهو الثانى عشر له فى حقل النقد الروائى، يشتمل على مقدّمة طويلة وقراءة فى اثنتين وثلاثين رواية سعودية، تنتمى إلى المرحلة الرابعة فى تاريخ الرواية السعودية، وهى مرحلة التحوّلات الكبرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التى يخوض فيها الروائيون فى المسكوت عنه، ويحفرون فى الممنوع، مستفيدين من الهوامش التى أتاحتها التحوّلات المذكورة، وينتمون إلى أجيال عدّة. على أنّ الأسئلة التى تطرحها الروايات المختلفة هى أسئلة الواقع السعودى، واستطرادًا العربى، فى هذه اللحظة التاريخية، وتتراوح بين السياسى والاجتماعى والاقتصادى والدينى، وهى تسائل الواقع المتحوّل من دون أن تتمرّد عليه أو تكسر مزراب عينه، فالغاية الإصلاح والتطوير وليست الهدم والتثوير. ولعلّ هذه الأسئلة وطرائق طرحها هى ما يمنح الرواية السعودية موقعها المتقدّم حاليًّا على خريطة الرواية العربية، إلى جانب أخواتها العربيات، فتتصادى معها وتتناغم وتتكامل فى إطار المشهد الروائى العربى العام، من دون أن تفقد أيٌّ منها خصوصية المكان / الفضاء الذى ينتظم فى علاقة تنوّع ضمن وحدة الأمّة العربية. وهذا ما يجعل من قراءة الرواية السعودية من الأهمّية بمكان، فى لحظة تاريخية فارقة، مفتوحة على كثير من التحوّلات. تتوزّع الأسئلة المطروحة فى الكتاب، استنادًا إلى الروايات المقروءة، على: التحوّلات الكبرى، الفرد فى مجتمع مدينى، المرأة، الحب، الحرية، السلطة، الإرادة، القدر، الدين، الموت، المكان الواقعى، العالم الافتراضى، وغيرها. على أنّ طريقة الطرح تختلف من رواية إلى أخرى، تبعًا لاختلاف الطارح وزاوية الطرح. وهذه الأسئلة ليست وقفًا على الرواية السعودية، بل هى أسئلة الرواية العربية بشكلٍ عام، ذلك لأنّ الواقع العربى هو نفسه، إلى حدٍّ كبير، فى مختلف الدول العربية. وإذا كان ثمّة اختلاف فى الواقع، بين دولة وأخرى، فهو فى الدرجة وليس فى النوع. وفى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أنّ بدرية البشر تطرح سؤال العقل الذكورى فى مجتمع محافظ، وزينب حفنى تطرح سؤال المرأة فى مجتمع ذكورى، وسلام عبد العزيز تطرح سؤال القبيلة، وتركى الحمد يطرح سؤال النفط، وغازى القصيبى يطرح سؤال الحرية، ومحمد حسن علوان يطرح سؤال الأمومة، ومها محمد الفيصل تطرح سؤال الإرادة، ومقبول العلوى يطرح سؤال التسامح، وهانى نقشبندى يطرح سؤال الدين، ويحيى أمقاسم يطرح سؤال العشيرة، ويوسف المحيميد يطرح سؤال الاغتراب، على سبيل المثال لا الحصر. هذه الأسئلة يستخرجها زين الدين من الروايات المدروسة، ولا يقوم بإسقاطها عليها. فهو ينطلق من النصّ راصدًا مقولته، ولا يُقوِّله ما لا يقول أو يُحمِّله ما لا يحتمل. وبهذا المعنى، تغدو الروايات مجموعة من الوثائق الأدبية التى يمكن استثمارها فى إضاءة الواقع الذى تصدر عنه والعالم المرجعى الذى تحيل إليه. وبذلك، تقترن متعة السرد بفائدة المعرفة. وتكون الرواية نتيجة للتحوّلات المرصودة وسببًا فى حصولها، فى الوقت نفسه، ما يجعل «أسئلة الرواية السعودية» جديرة بالطرح، والأجوبة عنها تستحقّ التفكير.