الإذاعة ستظل الرفيق لأنها تجسيد دون صورة للأحلام وتمثل علامات بارزة لأنها سجلت بالصوت فى أزمنة وتواريخ مع أشخاص كانوا قمما فى مجالاتهم البداية كانت الثلاثاء 31 مايو 1934،عند الخامسة والنصف مساء،عندما انطلق نداء «هنا القاهرة «لتولد الإذاعة المصرية التى احتفلنا من ثلاثة أيام فقط بعيدها ال91. أعشق الإذاعة وتربيت على أثيرها وبرامجها وعشت طفولتى وشبابى وحتى الآن وعلى مدى 60 عاما منذ نضج تفكيرى،مع ماتقدمه،وكان الراديو «الترانزستور»الصغير لايفارق جيبى فى أى مكان،وعلى ماتقدمه بنينا تفكيرنا وسلوكياتنا وتوجهاتنا فقد كان تأثيرها طاغيا. عاصرت الإذاعة تاريخ مصر ويحتوى أرشيفها على كنوز لامثيل لها،وكنت فى مرحلة الجامعة فى السبعينيات أذاكر على مايذاع عبر أثيرها. بدأت الإذاعة بالقرآن الكريم وصوت الشيخ محمد رفعت،ثم حديث عن فضل الإذاعة وغنت أم كلثوم وتقاضت 25جنيها عن أول ماشدت به عبر الإذاعة وغنى عبد الوهاب الذى كان يحمل وقتها لقب مطرب الملوك،وعلى مدى سنوات عمرها الطويل احتلت الإذاعة مكانتها،وهى مكانه فريدة مازالت تتمتع بها رغم سطوة الفضائيات والشاشات والبرامج التوك شو،فما أمتع أن تسلم أذنيك لبرامجها وأنت مستلقٍ على ظهرك أو على جنبك فى هدوء وسكينة، فتتابع برنامجا أو حوارا أو تغطية لأى حدث سياسى أو فنى أو رياضى.وكم من الأحداث الوطنية التى شاركت فيها وسجلتها لتحفظ لمصر تاريخها منذ الملكية ومرورا بثورة يوليو وتأميم القناة والعدوان الثلاثى ثم النكسة والاستنزاف وحرب أكتوبر واتفاقية السلام ومعارك دحر الإرهاب. مارست الإذاعة دورها الوطنى فى تعبئة الرأى العام ببرامجها وأغانيها وحواراتها وكانت كالجندى فى المعركة. عبر أثير الإذاعة كم عشنا أحلى الأوقات،مع الطرب والموسيقى وحفلات أم كلثوم وعبد الوهاب،وليالى الربيع مع عبد الحليم وفريد الأطرش،وفى سهرات أضواء المدينة التى قدمت أروع الفنانين والموسيقيين،وكانت تربط العالم العربى تماما كما كانت تفعل حفلات أم كلثوم الشهرية،من منا ينساها وهى تشدو لصوت بلدنا فى رائعتها،ومازلت أتذكر مونولوج لشكوكو وهو يغنى ويقول «يحيا الراديو». أرشيف الإذاعة به من ألبومات الذكريات مانحتاج إلى استعادتها لتعرفها الأجيال الجديدة والحمد لله أننا نمتلك إذاعتين متخصصتين احتلتا مكانتهما الكبرى على مستوى الدنيا إذاعة القرآن الكريم التى تمتعنا ببرامجها وبما تمتلك من تلاوات مجودة ومرتلة لأساطين التلاوة وتفسير وأحاديث مسجلة واعية لكبار علمائنا وبينهم كل شيوخ الأزهر الحالى والراحلين وهى كنوز لاتقدر بمال،ونمتلك كذلك إذاعة الأغانى التى تعيد على أسماعنا تراث الغناء والعصر الذهبى للموسيقى والطرب،منذعصر سيد درويش فى بداية القرن الماضى،وتذيع علينا مانشتاق لسماعه من الوطنيات أو الأغانى الدينية فى المناسبات لنعيش الذكريات. أرشيف الإذاعة هو ذاكرة الأمة لأنها مسجلة بالصوت ولها تاريخ ضارب فى القدم منذ عرفت الدنيا الأثير لينقل الصوت للدنيا كلها ومازلت أحتفظ فى مكتبتى وعلى رأس أهم الكتب المرجع الذى أهداه لى الإذاعى الكبير حمدى الكنيسى وحوى تاريخ الإذاعة منذ أنشئت وأهم الأحداث التى رصدتها. الإذاعة ستظل الرفيق لأنها تجسيد دون صورة للأحلام وهى بما تحتوى من برامج تمثل علامات بارزة لأنها سجلت فى أزمنة وتواريخ ومع أشخاص كانوا قمما فى مجالاتهم ومن منا ينسى زيارة لمكتبة فلان أو حديث الذكريات أو شاهد على العصر أو البرامج الحوارية على الناصية أو حول الأسرة البيضاء.. تحية للإذاعة فى عيدها ال91 وعقبال ألف سنة تألقا ويحيا الراديو.